للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معرفتُه ذلك من حال المخاطَبين ليلقيَ لهم الكلامَ على قدر احتياجهم وبقدر ما تهيأت له نفوسُهم. وكان هذا الثاني موجِبَ اشتراط الاستيطان في خطيب الجمعة عند من اشترطه (١).

واعلم أن الخطيب لا غنًى له عن معرفة أضداد الفضائل أيضًا؛ إذ قد يدعوه الحال إلى بيانها: إما لذم ما تشتمل عليه وتُؤْثِرُه، وإما لمعرفة ما فيها من منافع قليلة لئلَّا يبهته بها مَنْ يريد التضليل بترويجها، فإذا كان عالمًا بتفاصيلها لم يعسر عليه تفنيدُ من يضلل بها. وفي ذلك أيضًا عونٌ على الدفاع عن مرتكب هفوة وصاحب فلتة. وقد يكون الشيء نافعًا في وقتٍ وضدُّه نافعًا في آخر، كالشجاعة وقت الحرب والأناة وقت السلام.


(١) اتفق الفقهاء على عدم وجوب صلاة الجمعة على المسافر، وأنها إنما تجب على المستوطن، ولكنهم اختلفوا في شرط الاستيطان بالنسبة للإمام الخطيب، فذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي إلى أنه تنعقد صلاة الجمعة بالإمام المسافر، والمشهور عند المالكية اشتراط الاستيطان، قال بهرام: "ويُشترط كونُه مقيمًا على المشهور". وذهب الحنابلة إلى أنها لا تنعقد، واشترطوا الاستيطان في الإمام الخطيب. وإلى هذا ذهب زفر من الحنفية، حيث قال: "لا تجوز إمامة العبد والمسافر في صلاة الجمعة؛ لأنه لا تفترض عليهما الجمعة، وإنما يصح منهما الأداء بطريقِ التبعية، فلا يجوز أن يكون أصيلًا بالإمامة". انظر: الدميري، بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز: الشامل في فقه الإمام مالك، تحقيق أحمد بن عبد الكريم نجيب (القاهرة: مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث، ط ١، ١٤٢٩/ ٢٠٠٨)، ج ١، ص ١٣٥؛ ابن مازة البخاري الحنفي، برهان الدين أبو المعالي محمود بن أحمد بن عبد العزيز: المحيط البرهاني في الفقه النعماني، تحقيق عبد الكريم سامي الجندي (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤٢٤/ ٢٠٠٤)، ج ٢، ص ٧٢؛ ابن الهمام الحنفي، كمال الدين محمد بن عبد الواحد السواسي: شرح فتح القدير على الهدية شرح بداية المبتدي، نشرة بعناية عبد الرزاق غالب المهدي (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤٢٤/ ٢٠٠٣)، ج ٢، ص ٦٠؛ ابن قدامة المقدسي، موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد: المغني، تحقيق عبد الله عبد المحسن التركي وعبد الفتاح محمد الحلو (الرياض: دار عالم الكتب، ط ٣، ١٤١٧/ ١٩٩٧)، ج ٣، ص ٢٢٠ - ٢٢٢؛ الغزالي، محمد بن محمد بن محمد: الوسيط في المذهب، تحقيق أحمد محمود إبراهيم (القاهرة: دار السلام، ط ١، ١٤١٧/ ١٩٩٧)، ج ٢، ص ٢٦٩ - ٢٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>