للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولما أفلس الأُسَيْفِعُ الجُهني في زمن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خطب عمر فقال: "أما بعد، فإن الأُسيفع، أسيفع جهينة، قد رضيَ لدينه وأمانته أن يُقال إنه سبق الحاج، إلا وإنه قد تداين معرضًا، فأصبح وقد رِينَ به. فمن كان له عليه شيء، فليأتنا غدًا نَقْسمُ مالَه بالمسجد. وإياكم والدَّيْن، فإن أوله هم، وآخره حَرَب" (١)، فتراه قد استغنى بالواقعة المشاهدة عن تقديم المقدمة.

[الركنُ] الرابع من أركان الخطبة: الغرضُ، وهو الذي لأجله انتصب الخطيبُ ليخطب، فوِزانُه وِزانُ المطلوب في القياس المنطقي، ويُعَبَّر عنه بالنتيجة عند حصوله.

[الركنُ] الخامسُ: البيانُ، أعنى بيانَ الغرض وإيضاحه. وذلك إما بالاستدلال، أو التمثيل، أو الاستطراد، أو الإنشاء. فالبيانُ بالاستدلال كثيرٌ بإقامة الدليل على صحة الغرض النضال عنه.

وأما التمثيل فبابٌ واسع من البيان للعامة؛ لأنه أخصرُ من الدليل، والأذهان إلى إدراكه أسرع. قال صاحبُ الكشاف: "ولضرب العرب الأمثال، واستحضار العلماء المثل والنظائر، شأنٌ ليس بالخفي في إبراز خبيات المعاني، ورفع الأستار عن


(١) المراد بسبقه الحاج أنه كان يسبق فيكتري دوابَّ أهل مكة ليحتكرها فيكريَها للحجاج بغلاء. وقوله حرب بالتحريك، مصدر حربه كطلبه، بمعنى سلب ماله فهو محروبٌ وحريب. - المصنف. روى مالك عن عبد الرحمن بن دَلاف المزني، "أن رجلًا من جُهينة كان يسبق الحاج فيشتري الرواحلَ فيُغلي بها، ثم يُسرع السير فيسبق الحاج، فأفلس، فرُفع أمره إلى عمر بن الخطاب، فقال: أما بعد، فإن الأسيفع، أسيفع جهينة، قد رضيَ من دينه وأمانته بأن يُقال: سبق الحاج، ألا وإنه قد دان معرضًا، فأصبح قد رِين به. فمن كان له عليه دين، فليأتنا بالغداة نقْسمُ مالَه بينهم. وإياكم والدَّيْن، فإن أوله هم وآخره حرب". موطأ الإمام مالك برواياته الثمانية، "كتاب الوصية"، الحديث ١٥٩٣، ج ٤، ص ٢٣ - ٢٤؛ موطأ الإمام مالك برواية يحيى الليثي، نشرة بعناية أحمد راتب عمروش (بيروت: دار النفائس، ط ١٢، ١٤١٤/ ١٩٩٤)، "كتاب الوصية"، الحديث ١٤٥٦، ص ٥٤٧. وقريبٌ من هذه الرواية ما أورده البيهقي، ولكن بدون قوله: "وإياكم والدَّيْن. . ." البيهقي: السنن الكبرى، "كتاب آداب القاضي"، الحديث ٢٠٤٩٠، ج ١٠، ص ٢٣٨. ومعنى "رين عليه"، أحاط بماله الدَّيْن.

<<  <  ج: ص:  >  >>