للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"وأنه كما يُرزق الواحدُ في مجالس الكبار من الإصغاء إليه والإقبال عليه، ما يُحرم صنوُه وشبيههُه، مع أنه لا فضيلةَ لذلك ولا نقيصةَ لهذا إلا ما فاز به من الجَدِّ عند الاصطفاء والقَسْم" (١)، أي وأن ذلك يشبه ما يُرزقه الشخصُ من الإصغاء إليه. وقوله "ما يحرم صنوه"، كذا في جميع النسخ، وهو من حذف عائد صلة الموصول إذ كان منصوبًا بفعل وهو كثير، فالتقدير ما يُحرمه. و"الجَد" (بفتح الجيم) الحظ والبخت، و"القَسْم" (بفتح القاف وسكون السين) مصدر اسم المفعول، وهو ما يقسم للمعطَى (بفتح الطاء) من العطاء. قال الأعشى: "ويقسم أمر الناس يومًا وليلةً". (٢)

و"القسْم" - في كلام المؤلف - معطوفٌ على الاصطفاء. والمعنى أنك تتوهم أن سببَ التفاضل بين البلغاء تابعٌ لميل الأعيان إلى بعض البلغاء دون بعض، بسبب اجتباء المائل الممالَ إليه اجتباءً ناشئًا عما للمُمَالِ إليه من البخت الذي قدره الله له.

والمقصودُ من كلام المؤلِّف إبطالُ أن يكون التفاضلُ خَلِيًّا عن أسباب حقيقية، وأنه ليس لأسباب وهمية. وإنما احتاج إلى إبطال هذا الوهم؛ لأنه جاش في نفس المخاطَب، ولأنه شاع بين ضعفاء العقول وقاصري الصناعة إذا خانتهم المقدرةُ أن يعتلُّوا لخيبتهم بأنهم حُرموا البخت، وأن تفَوُّقَ مَنْ سواهم عليهم لأجل أن المتفوِّق مبخوت. ومن هذا القبيل حالُ المشركين حين عجزوا عن معارضة القرآن فإنهم قالوا هو سحر (٣).


(١) نشرة هارون، ج ١، ص ٤.
(٢) البيت من قصيدة "يداك يدا صدق"، وتمامه:
وَيَقْسمُ أَمْرَ النَّاس يَوْمًا وَلَيْلَةً ... وَهُمْ سَاكتُونَ، وَالمَنيَّةُ تَنْطقُ
ديوان الأعشى، ص ١٢٧.
(٣) انظر الآيات: المائدة: ١١٠؛ الأنعام: ٧؛ هود: ٧؛ النمل: ١٣؛ القصص: ٣٦؛ سبأ: ٤٣؛ الصافات: ١٥؛ الزخرف: ٣٠؛ الأحقاف: ٧؛ القمر: ٢؛ الصف: ٦؛ المدثر: ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>