للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المؤلف قد بين المجاذبة في آخر هذا الشرح (١) بقوله: "لا أنسى مجاذبتي فيها، متى كان في القول إمكان، وللتحصيل إرصاد، ولسهم النضال تسديد، وفي قوس الرماء منزع"، وهنا يظهر من حسن وقع لفظ المجاذبة ما لا يظهر في تغيير قوله في صدر الديباجة "فإنك جاريتني" إذ لم يقل "جاذبتني" كما قدمنا هنالك.

"بل تعتقد أن كثيرًا مما يستجيزه زيدٌ يجوز أن لا يطابقَه عليه عمرو": الذي في النسختين التونسيتين ونسخة الآستانة "يستجيده" (٢) بدالٍ عوضَ الزاي، وهي أحسن معنًى ولفظا. ومعنى "لا يطابقه" لا يوافقه، مأخوذٌ من الإطباق، وهذه المادة تؤذن بالمساواة. ومنه الطبَق، وهو غطاء الإناء؛ لأنه يجعل بمقداره، ومنه أيضًا الانطباق.

"وأنه قد يُسْتَحْسَنُ البيتُ ويُثْنَى عليه، ثم يُستَهْجَنُ نظيرُه في الشبه لفظًا ومعنى حتى لا مخالفةَ، فيُعرَضُ عنه، إذْ كان ذلك موقوفًا على استحلاء المستحلي واجتواء المجتوي" (٣): "الاجتواء" (بالجيم) افتعال من الجَوى، وهو الداء الباطني. والمراد بالاجتواء هنا الكراهةُ ونفورُ الطبع، وأصله عدم ملاءمة الجو للساكن فيه، وفي حديث النفَر من عُكْلٍ وعُرَيْنَة "أنهم اجتووا المدينة" (٤)، أي استوخموا جوَّها وهواءها إذ كانوا من أهل بادية، وصيغة الافتعال هنا للمطاوعة.


(١) عن نسخة الآستانة. - المصنف. وجاء في نشرة عبد السلام هارون (ج ٤، ص ١٨٨٦): "واعلم، صحبك التوفيق في مَبَاغِيك، أن ما جمعتُ منتشِرَه، وأثَرْتُ مُكتَمِنَه، وحَلَلْتُ معقودَه، وأعدْتُ محذوفَه، ونشرتُ مطويَّه، ومدَدْتُ مقصُورَه، من بيوت هذا الاختيار وفصوله، فإني لم أُدركْهُ إلا في مدةٍ طويلة لا أذكرُ طرفَيْها، وبمجاهداتٍ لشيوخ الصناعة عجيبة لا أنسى مجاذباتي فيها، حين كان في القول إمكانٌ، وللتحصيل إرصادٌ، ولسَهْم النِّضال تسديد، وفي قوس الرِّماء منْزَعٌ وتوتير، وكان الرأيُ ولودًا، والخاطر عمولًا. . ."
(٢) وهو ما أثبته الأستاذ هارون في تحقيقه، ج ١، ص ٤.
(٣) المرجع نفسه.
(٤) صحيح البخاري، "كتاب الوضوء"، الحديث ٢٣٣، ص ٤٣؛ "كتاب الزكاة"، الحديث ١٥٠١، ص ٢٤٤. وقد جاء الحديث في مواضع أخرى عديدة من الجامع الصحيح مع اختلاف في الروايات طولًا وقصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>