للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المخاطَب المحكي آنفًا بقوله: "وقلتَ إن أبا تمام إلخ". و"الأسلوب" الطريق، وهو في الاصطلاح الطريقةُ المخصوصة من الكلام البليغ، كقولهم في الالتفات إنه انتقالٌ من أسلوب إلى أسلوب، أي من طريقة الخطاب إلى طريقة الغيبة مثلًا، وقولهم الأسلوب الحكيم هو تلقي المخاطب بغير ما يترقب (١).

"وزعمتَ بعد ذلك أَجْمَعَ أنك مع طول مجالستِك لجهابذة الشِّعر والعلماء بمعانيه، والمبَرِّزين في انتقاده، لم تقفْ من جهتهم على حدٍّ يؤديكَ إلى المعرفة بجيِّدِه ومتوسِّطِه ورديئه، حتى تُجرِّد الشهادةَ في شيء منه، وتبُتَّ الحكمَ عليه أو له آمنًا من المجاذبين والمدافعين" (٢)،

"المجاذبون" أصحاب المجاذبة، وهي مفاعلة من الجذب للشيء، أي إدناؤه باليد لأخذه. فالمجاذبة أن يجذب كلا الشخصين شيئًا واحدًا كلاهما يطلب أخذَه لنفسه. والمرادُ بها هنا تمثيلٌ للمحاجَّة والاستدلال، فكلٌّ يُظهِرُ أن الحقَّ في جانبه، وهي من شعار أهل العلم في محادثاتهم ومناظراتهم. قال الزمخشريُّ في ديباجة "الكشاف"، في صفة من يستأهل أن يفسر القرآن: "قد رَجَع زمانًا ورُجِع إليه، ورَدَّ ورُدَّ عليه". (٣)

وأما "المدافعةُ" فهي مفاعلة أيضًا، وهو إبعادك الشيءَ عن جهة ما. فالمدافعة مرادٌ بها إبطالُ دليلِ الخصم عند المناظرة. فمن المدافعة المنعُ المجرد، والمنعُ بالسَّند في قواعد الجدل، وبقية الاعتراضات على الأدلة، وكلها راجعة إلى المنع (٤). واعلم أن


(١) قال السكاكي: "الأسلوب الحكيم هو تلقي المخاطب بغير ما يترقب (. . .)، أو السائل بغير ما يتطلب". مفتاح العلوم، ص ٤٣٥.
(٢) نشرة هارون، ج ١، ص ٤، وفيها "لما ينظمه" بدل "بنظمه"، "ولا يرضاه" بدل "فلا يرضاه".
(٣) الزمخشري، الكشاف، ج ١، ص ٧.
(٤) انظر في معنى المنع - ويسمى المناقضة أيضًا - الشنقيطي، محمد الأمين بن محمد المختار الجكني: آداب البحث والمناظرة، تحقيق سعيد بن عبد العزيز العريفي (مكة المكرمة: دار عالم الفوائد، ط ١، ١٤٢٦ هـ)، ص ١٣٩ - ٢٣٣ و ٣١٣ - ٣٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>