للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتبيينُ ما يترقبه في ظلمة الدجى بحصول ضياء وجه الممدوح تفسيرٌ صحيح، ولكن تبيين ما يترقبه خائفُ البغي بحصول الكرم تبيين فاسد. ومن فساد التفسير سخافتُه، كقول عز الدين الموصلي في بديعيته:

ذِكْرُ الإِمَامِ وَابْنَيْهِ يُفَسِّرُهُ ... عَلِيٌّ وَالحَسَنَانِ أَكْرِمْ بِذِكْرِهِمِ (١)

على ما في البيت من ضرورات ركيكة ثلاث.

"أو فِي المعنى تناقض" (٢)، بحيث يقتضي بعضُ المعاني نقيضَ البعض الآخر في الغرض الواحد، بلا تأويل. ومن المعلوم مراعاةُ شروطِ التناقض في هذا، وهي ما يُعبَّر عنها بالوحدات الثمان في علم المنطق (٣)، وإلا فإن من التناقض ما هو معدودٌ من لطائف الأساليب، كقوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: ١٧] (٤). ومنه ما يُسمى بالطباق، وهو الجمعُ بين معنيين متضادَّين ولو في الجملة:


= ص ١٢٦. والبيتان غير منسوبين في هذه المراجع كلها، ولكن قدامة ذكر أن قائلهما كان ممن يرتاد مجلسه، هو ويسمع خوضه "في أشياء من نقد الشعر".
(١) ابن معصوم المدني: أنوار الربيع، ج ٦، ص ١٢٧.
(٢) نشرة هارون، ج ١، ص ١٥.
(٣) وهذه الوحدات هي الشروط التي لا بد من وجودها حتى يتحقق التناقض بين القضيتين. وبعضهم عدها تسعة، وهي اتحاد القضيتين في الأمور الآتية: المحمول، والموضوع، والزمان، والمكان، الفعل والقوة، الكل والبعض، الإضافة، الشرط، الاتحاد في التحصيل والعدول. انظر للمزيد من التفصيل: الشنقيطي: آداب البحث والمناظرة، ص ٨٩ - ٩٥.
(٤) قال الميساوي: ذكر المطيريُّ في حاشية تحقيقه لشرح المقدمة الأدبية (ص ١٦٩، الحاشية ١) أن الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك انتقد على ابن عاشور عدَّه الآيةَ من قبيل التناقض، وذلك لما يسبق إلى الذهن من معنى مذموم عند سماع هذا اللفظ، ولما "في هذا الإطلاق من الشناعة". ويبدو أن صاحبَ هذا الانتقاد وناقله قد غفلا عن أمرين رئيسين في كلام ابن عاشور: الأمر الأول أن كلامه على التناقض هو من حيث اعتباره "من لطائف الأساليب". أما الأمر الثاني فهو أنه قد ذكر قيدًا مهمًّا في قبول حصول التناقض بهذا الاعتبار، وهو أن لا يفيد "بعضُ المعاني نقيضَ البعض =

<<  <  ج: ص:  >  >>