للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِفْ بِالدِّيَارِ الَّتِي لَمْ يَعْفُهَا القِدَمُ ... بَلَى، وغَيَّرَهَا الأَرْوَاحُ، وَالدَّيَمُ (١)

إذ جمع بين قوله "لم يعفها" وبين نقض النفي بحرف "بلى". وقد يُغتفر ذلك لضرب من التمليح، كقول بعض الأدباء:

أَسْكَرُ بِالأَمْسِ إِنْ عَزَمْتُ عَلَى الشُّرْ ... بِ غَدًا إنَّ ذَا منَ الْعَجَب (٢)

وليس ذلك بظريف، لما فيه من الغلو. وكذا قولُ ابن الفارض:

شَرِبْنَا عَلَى ذِكْرِ الحَبِيبِ مُدَامَةً ... سَكِرْنَا بِهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُخْلَقَ الكَرْمُ (٣)

وقد عابوا على عبد الرحمن بن عبد الله القَس قولَه:

وَإِنِّي إِذَا مَا المَوْتُ حَلَّ بِنَفْسِهَا ... يَزَالُ بنَفْسي قَبْلَ ذَاكَ فَأُقْبَرُ

لأن شرط إذا يقتضي المستقبل، أي إذا هي ماتت يموت هو قبل ذلك (٤).


= الآخر في الغرض الواحد، بلا تأويل"، وهذا يعني أن التناقضَ ظاهريٌّ وليس حقيقيًّا، وأنه يرتفع بالتأويل. وقد جلَّى ابنُ عاشور الأمرَ في خصوص الآية محل الشاهد بما لا يدع مجالًا لتوهمِ أنه كان غافلًا عن التمييز بين التناقض الظاهري والحقيقي. انظر: تفسير التحرير والتنوير، ج ٥/ ٩، ص ٢٩٤ - ٢٩٦.
(١) ديوان زهير بن أبي سلمى، ص ١١٣. والبيت من قصيدة يمدح فيها زهيرٌ هرِمَ بن سنان المري. الأصفهاني: الأغاني، ج ٤/ ١١، ص ٢٢٣ (نشرة الحسين).
(٢) البيت من قصيدة لأبي الشكر محمود بن سليمان بن سعيد الموصلي، يعرف بابن المحتسب، تفقه ببغداد، وكان مصاحبًا لابن الشَّهْرَزُوري. ولي نظرَ أوقاف النظامية ببغداد. توفي سنة ٥٩٨ هـ. ابن كثير: البداية والنهاية، ج ١٦، ص ٧٢٠ - ٧٢١.
(٣) ديوان الشيخ عمر بن الفارض (القاهرة: المطبعة الميمنية لمصطفى البابي الحلبي وأخويه، ١٣٢٢)، ص ٩٧.
(٤) بين ابن سنان الخفاجي والمرزباني أن هذا من نوع المتناقض على طريق المضاف، حيث "جمع بين قبل وبعد وهما من المضاف؛ لأنه لا قبل إلا لبعد، ولا بعد إلا لقبل". فالشاعر "وضع هذا القولَ وضعَ الشرط، وجعل جوابه: يزال بنفسي، ثم قال: قبل ذاك. فكأنه قال: إن نفسي تزول بعد نفسها وقبلها، وهذا مثل قول القائل: إذا دخل زيد الدار دخل عمرو قبله، وذلك متناقض". المرزباني: الموشح، ص ٢٦٣ - ٢٦٤؛ الخفاجي: سر الفصاحة، ص ٢٣٣. وقد عد أبو هلال العسكري =

<<  <  ج: ص:  >  >>