للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"أو خروج إلى ما ليس في العادة أو الطبع" (١)، سماه خروجًا؛ لأنه مخالفةٌ لصحة الكلام، فكأن صاحبه خرج من حظيرة معاني الشعر إلى الهَوَس، وهو يرجع إلى الخطأ في المعاني. مثالُ الخروج إلى ما ليس في العادة قولُ أبي الطيب:

يُرَادُ منَ القَلْب نِسْيَانُكُم ... وَتَأْبَى الطِّبَاعُ عَلَى النَّاقِلِ (٢)

إذ ليس من عادة المحبين الرغبةُ في نسيان الأحباب، إلا أن يكون الذي أراد منه ذلك غيرَ نفسه، فتأمله!

ومثال الخروج إلى ما ليس في الطبع قولُ المرار:


= هذا البيت "من الحال الذي لا وجهَ له". كتاب الصناعتين، ص ٧٣. أما الشاعر القَس فهو "عبد الرحمن بن أبي عمار من بني جشم بن معاوية، وكان منزله بمكة. وكان سبب افتتانه بها فيما حدثني خلاد الأرقط قال سمعت من شيوخنا أهل مكة يقولون: كان القس من أعبد أهل مكة، وكان يشبه بعطاء بن أبي رباح، وأنه سمع غناء سلامة القس على غير تعمد منه لذلك. فبلغ غناؤها منه كل مبلغ، فرآه مولاها فقال له: هل لك أن أخرجها إليك أو تدخل فتسمع، فأبى. فقال مولاها: أنا أقعدها في موضع تسمع غناءها ولا تراها، فأبى. فلم يزل به حتى دخل، فأسمعه غناءها فأعجبه. فقال له: هل لك في أن أخرجها إليك؟ فأبى. فلم يزل به حتى أخرجها فأقعدها بين يديه، فتغنت، فشغف بها وشغفت به، وعرف ذلك أهلُ مكة. فقالت له يومًا: أنا والله أحبك. قال: وأنا والله أحبك. قالت: وأحب أن أضع فمي على فمك. قال: وأنا والله أحب ذاك. قالت: فما يمنعك؟ فوالله إن الموضع لخالٍ. قال: إني سمعت الله عز وجل يقول: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (٦٧)} [الزخرف: ٦٧]، وأنا أكره أن تكون خلةٌ ما بيني وبينك تؤول إلى عداوة. ثم قام وانصرف، وعاد إلى ما كان عليه من النسك"، وأنشأ في ذلك قصيدة مشهورة. الأصفهاني: الأغاني، ج ٣/ ٨، ص ٤٥٤ و ٤٥٧.
(١) نشرة هارون، ج ١، ص ١٥.
(٢) البيت هو الثاني من قصيدة قالها المتنبي في مدح سيف الدولة وذكر استنقاذه أبا وائل تغلب بن داود بن حمدان العدوي من أسر الخارجي سنة ٣٣٠، ومطلعها:
إِلَامَ طَمَاعِيَةُ العَاذِلِ ... وَلَا رَأْيَ فِي الحُبِّ لِلْعَاقِلِ
البرقوقي: شرح ديوان المتنبي، ج ٣، ص ١٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>