فشرح الله صدرَ الصحابة إلى تأييد أبي بكر والمقاتلة معه، وامتُشق الحسام لنصر الإسلام، فلم يلبث إلا قليلًا حتى هَزَمت جيوشُه جميعَ قبائل الردة، وردَّ للإسلام قوتَه. فكان ذلك أولَ تجديد للإسلام، وكانت القبائل التي قاتلت معه هم الذين خاطبهم على لسان رسوله بقوله:{قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ}[الفتح: ١٦]. وثاب العربُ إلى الرشد، وعاد لهم إسلامُهم وطاعةُ إمامهم، وكان ذلك دخولًا جديدًا في الإسلام لمعظم قبائل العرب دخولًا لم يخرجوا بعده. ثم رجع السيف إلى قرابه، واستقر أمرُ الإسلام في نصابه، وصلح حالُ المسلمين، وعلم الجميع معنى الإسلام ودوامه، فكان أبو بكر مجددَ معنى الرسالة ومُبَيِّنًا له.
ولم يزل الإسلام يعلو وينتصر، ويفيض على الأقطار كالسيل المنهمر، ففُتِحت الأمصار الكثيرة، وذلك إلى أواخر خلافة هشام بن عبد الملك من سنة ١٠٥ هـ إلى سنة ١٢٥ هـ. ودُرِّست العلوم، وعَلِم الناسُ أمرَ دينهم، وأمن المسلمون كيدَ أعدائهم، وانتصبوا لنظام أمرهم، وتأييد أمور دينهم، وتلقي علوم الكتاب والسنة، وتدوين الآثار المروية عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وانقضى عصرُ الصحابة، وحمل العلمَ من كل قطر عدولُه وأفاضلُه، وصار الناسُ متعطشين إلى ما يُؤْثَرُ عن رسول الله وخلفائه، ومصيخين لكل مَنْ يقول: قال رسول الله، فَتَهَمَّم بالرواية أقوامٌ كثيرون، وصار التصدي والتلقي غايةَ أولي الألباب. ولكن تفاوت الأفهام وتباينها في الضبط والتقوى قد حدا بقوم إلى الاستكثار من الرواية عن رسول الله، والاستهتار بِحُبِّ الإغراب في ذلك، وبالإصغاء لكل مَنْ يتظاهر بأن له علمًا بسنة أو تفسيرًا لآية، فكثر الدخيلُ وعظم القالُ والقيل.
= عبد الخالق العتكي: البحر الزخار، المعروف بمسند البزار، تحقيق محفوظ الرحمن زين الله (المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم، ط ١، ١٤١٨/ ١٩٩٧)، الحديث ٢١٧، ج ١، ص ٣٣٤ (مسند عمر بن الخطاب). وأورد البزار (ص ٣٣٦) حديثًا نسبه للنبي - صلى الله عليه وسلم - بلفظ: "لو منعونِي عناقًا أو عقالًا".