للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شرف صناعته، وكان النظمُ متأخرًا عن رتبة النثر، وجب أن يكون الشاعرُ أيضًا متخلفًا عن غاية البليغ" (١)،

يعني أن الشعراءَ في الجاهلية اتخذوا الشعرَ مكسِبة، وتعرضوا به للعطاء - مثل الأعشى والنابغة الذبياني وزهير - فغضَّ منهم. وفي "صبح الأعشى" - في موادِّ البيان - يُروى أن النابغةَ الجعدي - رضي الله عنه - "كان سيِّدًا في قومه، لا يقطعون أمرًا دونه، وأن قولَ الشعر نقَصَهُ وحطَّ رتبته". (٢) وبعضُهم تعرَّض به إلى أعراض الناس بالطعن في الهجاء، مثل الزبير بن عبد المطلب (٣) والحطيئة، أي فكره الناسُ ذلك منهم. وسكت المؤلِّفُ عن الذين اتخذوه للغزل واللهو، فشغلهم عن عظائم الأمور.

والحاصلُ أن في نحلة الشعر ما كان مجلبةً للغضِّ من أصحابه بالرغم مما يعترفُ لهم به الناسُ من حسن البيان. فقول من قال: "الشعر أدنى مروءة السَّرِي، وأسرى مروءة الدني"، قولٌ صادر عمَّنْ لحظ من الشعر بعضَ عوارضه. وإلا فقد كانوا يعدون الشاعرَ ينافح عن القبيلة ويرفع من ذكرها، فقيل كانوا يُولمون إذا نبغ فيهم شاعر، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن من الشعر لحكمة". (٤)


= الناس، صار الخطيبُ عندهم فوق الشاعر. ولذلك قال الأول: الشعر أدْنَى مروءةَ السَّرِيِّ وأسرى مروءة الدَّنِي. قال: ولقد وضع الشعر من قدر النابغة الذبياني، ولو كان في الدهر الأول ما زاده ذلك إلا رفعة". الجاحظ: البيان والتبيين، ج ١/ ١، ص ١٦٦ - ١٦٧.
(١) نشرة هارون، ج ١، ص ١٦ - ١٧.
(٢) القلقشندي: صبح الأعشى، ج ١، ص ٩١.
(٣) هو الزبير بن عبد المطلب الهاشمي القرشي الكناني كبير بني هاشم بعد أبيه وسيدهم في حرب الفجار بين كنانة وقيس عيلان، وهو أكبر أعمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد أدركه النبي - عليه السلام - في طفولته.
(٤) أخرج البخاري من حديث عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث عن أُبيِّ بن كعب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن من الشعر حكمة". صحيح البخاري، "كتاب الأدب"، الحديث ٦١٤٥، ص ١٠٧١؛ وأخرجه الترمذي عن عاصم عن زر عن عبد الله، وقال: "هذا حديث غريب من هذا الوجه، إنما رفعه أبو سعيد الأشج عن ابن أبي غنية، وروي من غير وجه عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -". سنن الترمذي، "كتاب الأدب"، الحديث ٢٨٤٤، ص ٦٦٢؛ وخرج أبو غدة روايات منها الرواية التي أخرجها البخاري عن أبي بن كعب، وما رواه ابن عباس قال: "جاء أعرابي إلى =

<<  <  ج: ص:  >  >>