للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غِرَّةً، إلى أن أصاب منها غرةً يوم الغدير بدارة جلجل، وقال فيها القصيدَة المشهورة: "قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ" (١).

فلما بلغ ذلك أباه حجر بن عمرو، وهو ملك بني أسد، نهاه وأغلظ له، وتوعَّده بالقتل فلم ينته، فطرده من وجهه. وقيل إن حجرًا سمع امرأ القيس يترنم في مجلس بقوله:

اسْقِيَا حُجْرًا عَلَى عِلَّاتِهِ ... مِنْ كُمَيْتٍ لَوْنُهَا لَوْنُ العَلَقْ (٢)

فهَمَّ بقتله (٣). ولعل القصص متعددة.

"والثاني أنهم اتخذوا الشعر مكسِبَةً وتجارة، وتوصَّلوا به إلى السُوَقة، كما توصلوا به إلى العلية، وتعرضوا لأعراض الناس، فوصفوا اللئيمَ عند الطمع فيه بصفة الكريم، والكريمَ عند تأخر صلته بصفة اللئيم، حتى قيل: "الشعر أدنى مروءة السَّريِّ وأسرى مروءة الدنِيِّ" (٤)، فهذا البابُ ظاهر. وإذا كان شرفُ الصانع بمقدار


(١) هذا صدر معلقته وقد سبق توثيقه.
(٢) البيت ليس في ديوان امرئ القيس، ولم ينشده غير القلقشندي من المراجع المذكورة في الحاشية الآتية. ويبدو أن من أقدم من ذكره الوزير أبا القاسم الحسين بن علي المغربي في كتابه "أدب الخواص" حسبما نقل عنه ابن العديم في تاريخه، ولكن الجزء الأول الذي وصلنا من هذا الكتاب (بتحقيق حمد الجاسم) ليس فيه ذكر للبيت. ابن العديم، الصاحب كمال الدين عمر بن أحمد بن أبي جرادة: بغية الطلب في تاريخ حلب، تحقيق سهيل زكار (بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بدون تاريخ)، ص ١٩٩٤.
(٣) الدينوري: الشعر والشعراء، ص ٤١ - ٣٢؛ الأصفهاني: الأغاني، ج ٣/ ٩، ص ٥٧٥ (نشرة الحسين)، القلقشندي، أحمد بن علي: صبح الأعشى في صناعة الإنشا، نشرة بعناية محمد حسين شمس الدين (بيروت: دار الكتب العلمية، بدون تاريخ)، ج ١، ص ٩١.
(٤) روى الجاحظ أن أبا عمرو بن علاء قال: "كان الشاعر" الجاهلية يُقدَّم على الخطيب، لفرط حاجتهم إلى الشعر الذي كان يقيد عليهم مآثرَهم، ويُفخِّم شأنَهم، ويهوِّل على عدوِّهم ومَنْ غزاهم، ويُهيِّب من فرسانهم، ويُخوِّف من كثرة عددهم، ويهابُهم شاعرُ غيرهم فيراقب شاعرَهم. فلما كثر الشعرُ والشعراء، واتخذوا الشعرَ مكسبةً، ورحلوا إلى السوقة، وتسرعوا إلى أعراض =

<<  <  ج: ص:  >  >>