للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"البيان والتبيين" للجاحظ في "باب ذكر ناس من البلغاء والخطباء" (١). ووقع فيه لفظ "الاقتضاب" وهو القطع، واستعاره للكلام الفصل، الذي هو كالحكم.

"وكانوا يأنَفُون من الاشتهار بقَرْضِ الشعر، ويَعُدُّه ملوكُهم دناءة، وقد كان لامرئ القيس في الجاهلية مع أبيه حُجْر بن عمرو حين تعاطى قولَ الشعر، فنهاه عنه وقتًا بعد وقت، وحالًا بعد حالٍ، ما أخرجه إلى أنْ أمر بقتله وقصتُه مشهورة، فهذا واحد" (٢)،

عدَّ المؤلفُ أَنَفَةَ سادةِ العرب في الجاهلية - من الاشتهار بقرض الشعر - تكملةً للأمر الأول من أسباب تأخر الشعراء عن رتبة الكتَّاب، وهو عنايتُهم بالخطابة على نحو عنايتهم بعد عصر الجاهلية بالكتابة. وكان الأولى للمؤلف أن يجعلَه من جملة الأمر الثاني؛ لأن الأنفةَ من قرض الشعر عندهم أوجبَها اعتيادُ الشعراء التلبُّسَ بالأحوال التي هي من شأن أهل البطالة، والتي لا تليق بالسؤدد في عرف زمانهم. ومن ذلك ما سيذكرُه المؤلفُ عند تعرُّضِه لأحوال الشعراء في مقابلة أحوال الكُتَّاب؛ إذ لا فرقَ - في تلك الأحوال - بين شعراء الجاهلية والإسلام، وما قصةُ امرئ القيس مع أبيه إلا من ذلك القبيل. فكان الوجهُ تأخيرَ هذا ليستقيم قولُ المؤلف: "فهذا واحد".

وأشار المؤلفُ إلى قضية امرئ القيس مع أبيه حُجْرٍ ملك بني أسد، وحاصلُها حسبما يؤخذ من "الشعراء" لابن قتيبة و"الأغاني" و"صبح الأعشى": "كانت الملوكُ تأنف قول الشعر، وكان امرؤ القيس يخالط شُذَّاذَ العرب، من طيء وكلب وبكر بن وائل، وكان قد عشِق فاطمةَ التي لَقَبُها عنيزة، وكان يطلبُها زمانًا، ويطلب منها


(١) وردت هذه اللفظة في كلام لعبد الله بن المقفع في بيان معنى البلاغة ومقاماته. الجاحظ: البيان والتبيين، ج ١/ ١، ص ٨٥.
(٢) نشرة هارون، ج ١، ص ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>