للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَهِدْتُ لَهُمْ مَوَاطِنَ صَادِقَاتٍ ... شَهِدْنَ لَهُمْ بِصِدْقِ الوُدِّ مِنِّي (١)

وقوله: "كل بيت يتقاضاه بالاتحاد"، وقع في نسخة الآستانة مخالفةٌ بالترتيب وبالإعجام، فكتب: "يتقاضاه كلُّ بيتٍ بالاتخاذ"، بالخاء والذال المعجمتين. والمعنى على نسختَيْ المهملتين؛ أن كلَّ بيتٍ يطالب الشاعرَ بأن يجعله متحدًا مع الأبيات أقرانه. ففي ذلك التقاضي زيادةُ كُلْفَةٍ للشاعر وعمل، ليناسب بين البيت وأخيه، كما قال رؤبة: "وقد قلت لو كان له قران"، فتأمل (٢). وأما "الاتخاذ" بالمعجَّمتين فلا يظهر له معنى؛ لأن الشاعر إذا نظم البيت فقد اتخذه، فهذا تحصيلُ حاصل.

وقوله: "وفي مثل ذلك يحسن انمحاء الأثر": انمحاءُ الأثر هو زوالُ آثار السائرين على الطريق، وهو كنايةٌ عن كثرة التَّرْداد على الطريق حتى لا تَبِينَ فيه آثارُ أقدامٍ معينة. وقد جعله تمثيلًا لحالة وفرة المحاولين لانتزاع المعاني وتهذيبها، ولإفراغها في قوالب النظم، بحالةِ كثرة السائرين في جادَّة الطريق حتى تصيرَ الطريقُ صُلبةً لا تظهر فيها آثارُ أقدام السائرين ولا سنابك الرِّكاب، كما يُقال "بيض الطرائق". والمعنى أن في هذا العمل ومثله يحسن الدَّأَبُ على الطلب، ومحاولةُ الظفَر بالغاية.

وقوله: "وتباطؤ المطلوب على المنتظِر"، أي هذا تباطؤٌ حسنٌ غيرُ مذموم، وانتظارٌ لذيذٌ لأجل ما يجده المنتظر في أثناء انتظاره من توسِّم نوال غُنم نفيس، وظهور بشائر اقترابه، كما قال أبو الطيب:


(١) وقع سقط وإخال لبعض الشعر في بعض، والصواب:
فَهُمْ دِرْعِي الَّتِي اسْتَلْأَمْتُ فِيهَا ... إِلَى يَوْمِ النِّسَارِ وَهُمْ مِجَنِّي
وَهُمْ وَرَدُوا الجِفَارَ عَلَى تَمِيمِ ... هُمْ أَصْحَابُ يَوْمِ عُكَاظٍ إِنِّي
شَهِدْتُ لَهُمْ مَوَاطِنَ صَادِقَاتٍ ... أَتَيْنَهُمْ بِوِدِّ الصَّدْرِ مِنِّي
ديوان النابغة الذبياني، ص ٢٥٣ (نشرة ابن عاشور)؛ وص ١٢٧ - ١٢٨ (نشرة أبي الفضل، وفيها "أيتُهم" عوض "أتينهم").
(٢) سبق توثيق كلام رؤبة بن العجاج.

<<  <  ج: ص:  >  >>