للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انْحرافُه ولا مِمَّنْ تَنفعُ عصبيتُه، وما هو إلا شعره يُسيِّر به حسن سمعة الممدوح. وذلك مما يكتفي به القائم بالدولة؛ لأن تأثيرَ الأقوال تأثير وقتي يحصل منه المقصود في وقت صدوره، فقد كان بشار من أنصار الدولة الأموية، وله مدائح في مروان بن محمد آخر خلفاء الأمويين، ثم مدح خلفاء الأمويين، ثم مدح خلفاء العباسيين وعرّض بالأمويين.

قالوا: لَمَّا ثار إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن عليّ علَى المنصور مدحه بشار بقصيدة هجا فيها أبا جعفر المنصور، وهي التي طالعها:

أَبَا جَعْفَرٍ مَا طُولُ عَيْشٍ بِدَائِمِ ... وَلَا سَالِمٌ عَمَّا قَلِيلٍ بِسَالِمِ

فَرُمْ وَزَرًا يُنْجِيكَ يَابْنَ سُلَامَةٍ (١) ... فَلَسْتَ بِنَاجٍ مِنْ مَضِيمٍ وَضَائِمِ (٢)

وقال فيها في مدح إبراهيم [أبا مسلم الخراساني]:

مِنَ الفَاطِمِيِّينَ الدُّعَاةِ إِلَى الهُدَى ... جِهَارًا وَمَنْ يَهْدِيك مِثْلُ ابْنِ فَاطِمِ! (٣)

فلما انتصرت جنودُ المنصور على إبراهيم في تلك السنة خاف بشار، فغَيَّر تلك القصيدة وجعلها مدحًا في المنصور وهجاء لأبي مسلم الخراساني، فصيّر أوله: "أبا


(١) سلامة هي أم أبي جعفر المنصور، قال ابن حزم إنها "أم ولد بربرية، قيل نَفزية، وقيل صُنهاجية". ابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد: جمهرة أنساب العرب، تحقيق عبد السلام محمد هارون (القاهرة: دار المعارف، ط ٥، ١٩٨٢)، ص ٢٠.
(٢) في الديوان بتحقيق المصنف لا يأتي الثاني من هذين البيتين مباشرة بعد الأول (والمخاطب فيه أبو مسلم بدل أبي جعفر)، وإنما يفصل بينهما عشرة أبيات. ديوان بشار بن برد، ج ٢/ ٤ (الملحقات)، ص ١٩٠ - ١٩٢.
(٣) المصدر نفسه، ص ١٩٣. وقد أورد المصنف الأبيات في الديوان في صورتها المعدلة في مدح المنصور على النحو الآتي:
مِنَ الهَاشمِيِّينَ الدُّعَاةِ إِلَى الهُدَى ... جِهَارًا وَمَنْ يَهْدِيك مِثْلُ ابْنِ هَاشِمِ!
ديوان بشار بن برد، ج ٢/ ٤ (الملحقات)، ص ١٩٣. والبيت من قصيدة من خمسة وعشرين بيتًا من بحر الطويل.

<<  <  ج: ص:  >  >>