للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان بشار من شيعة الأموية؛ نبغ في زمانها، وامتدح خلفاءها وأمراءها، ثم كان من شيعة إبراهيم بن الحسن بن علي، وكان من المتساهلين في دينهم المتظاهرين بالفواحش. فحقيقٌ بمن وُسِم بهاتين الوصمتين أن تتطرّقَ إليه الظنونُ، وأن تُنْسَب إليه الزندقَة في مظهر ذلك المجون.

نَسبَ بشارًا الذين كفَّروه (١) إلى دين الثنوية والمجوسية والبَرْهَمِيَّة والسُّمَنية، ونُسب في إسلامه إلى الرفض وإلى الشعوبية وإلى مذهب الرجعية (٢) القائلين بأن علي بن أبي طالب سينزل مرة ثانية كما ينزل عيسى، وأن جميع الأمة كفروا حين عَدَلوا عن بيعة علي بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونُسب إلى الإلحاد المحض والتعطيل، وسنفصل ذلك.

والذي أذهب إليه أنه كان مستهتِرًا غير محترز في أقواله في مجالسه من لوازم مفضية إلى الإلحاد، يجري ذلك منه مَجْرى المزح والهزل، كما يجري لأبي نواس الحسن بن هانئ ومحمد بن هانئ الأندلسي وأضرابهما. ولكن ضَرَاوة لسانه على الأمراء والكبراء والعلماء والشعراء أَغْرَتْ به الجميع، وجعلت التهمةَ إلى صوت المُهيب به تَرِيع.

وقد اتفق الرواة على أن بشارًا كان متضلِّعًا في علم الكلام، معدودًا من متقنيه. قال صاحب الأغاني: "كان بالبصرة ستةٌ من أصحاب الكلام: عَمرو بن عُبيد، وواصل بن عطاء، وبشار الأعمى، وصالح بن عبد القُدّوس، وعبد الكريم بن أبي العوجاء، ورجلٌ من الأزد - قال أبو أحمد: يعني جرير بن حازم - فكانوا


= كاسم أبي، أو أراد ما يتقوله بنو العباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى للعباس أن الخلافة في بنيه، وأن العباس كان قد عدهم، وتوارثوا رواية عدتهم بينهم. وكل ذلك من الموضوعات التي روجت لإقامة دولتهم". ديوان بشار بن برد، ج ٢/ ٣، ص ٢٥٥ (الحاشية رقم ٣). وانظر تعليقًا مماثلًا في ص ١٧٩ (الحاشية ٣).
(١) في الطبعة المصرية: "نُسِبَ بشار في تكفيره"، ووجدنا ما جاء في الطبعة التونسية أرشق فأثبتناه.
(٢) ديوان بشار بن برد، ج ٢/ ٣، ص ٢٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>