للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يأتِي الغزلَ في شعره حتى يخصه المهدي بالغلظة في النهي؟ ولكنك تستطلع من ذلك سرَّ إلحاح المهدي عليه في ذلك، ليسُدَّ ذريعةَ تحكك الناس ببشار وطلب عقوبته عقاب الملحدين. وقد كان أقوى الناس تهيُّؤًا لالتصاق هذه التهم بهم مَنْ كانوا من أبناء الفرس لأسباب:

أولها أنهم كانوا عريقين في المانوية؛ قال علي بن منصور بن القارح في الرسالة التي كتب بها إلى المعَرّي: "وإنما نسبوا بشارًا إلى دين المانوية؛ لأنه في الأصل فارسيٌّ يتعصَّب للفرس وأحوالهم" (١).

وثانيها أن معظم شيعة الأموية من العرب كانوا يغارون منهم أن جاؤوهم فاتحين مع بني العباس.

وثالثها أن الخلافة العباسية أخذت تتحفز إلى قطع شوكة الفرس، تخلصًا من إدلالهم على الخلافة، وطمعهم في وضع الخليفة تحت نير تصرفهم. وقد أبرقت بارقةُ خضْدِ شوكتهم بنكبة صاحب الدعوة أبي مسلم الخراساني. ولذلك نجد التهمةَ


= وَلَوْلَا أَمِيرُ المُؤْمِنينَ مُحَمَّدٍ ... لَقَبَّلْتُ فَاهَا أَوْ جَعَلْتُ بها فِطْرِي
الأصفهاني: كتاب الأغاني، ج ٣، ص ٢١٩ - ٢٢٠ (نشرة القاهرة)؛ الأغاني، ج ١/ ٣، ص ٦٩٨ - ٦٩٩ (نشرة الحسين)؛ الخطيب البغدادي: تاريخ مدينة السلام، ج ٧، ص ٦١٦. وانظر القصيدة كاملة في: ديوان بشار بن برد، ج ٢/ ٣، ص ٢٤٥ - ٢٥٩.
(١) لَم أجد هذا الكلام في رسالة ابن القارح أثناء كلامه على بشار، فقد قال عنه: "وقتل المهدي بشارًا على الزندقة. ولمَّا شهر بها وخاف، دافع عن نفسه بقوله:
يَا ابْنَ نِهْيَا رَأْسِي عَلَيَّ ثَقِيلُ ... وَاحْتِمَالُ الرَّأْدسَيْنِ عِبْءٌ ثَقِيلُ
فَادْعُ غَيْرِي إِلَى عِبَادَةِ رَبَّيْـ ... ـنِ فَإِنَّي بِوَاحِدٍ مَشْغُولُ
المعري، أبو العلاء: رسالة الغفران ومعها رسالة ابن القارح، تحقيق عائشة عبد الرحمن "بنت الشاطئ" (القاهرة: دار المعارف، ط ٩، ١٩٩٣)، ص ٣٠. ويبدو أن المصنف أخذه من كلام المعري خلال دفاعه عن المتنبي من تهمة الزندقة حيث قال: "وقد كانت ملوك فارس تقتل على الزندقة، والزنادقة هم الذين يسمون الدهرية لا يقولون بنبوة ولا كتاب. وبشارٌ إنما أخذ ذلك من غيره". المرجع نفسه، ص ٤٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>