للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بسهام الإلحاد، مثل فِعله مع حماد عجرد وعبد الكريم بن أبي العَوْجاء (١)، فما كان بالذي يخرج من هذه المعمعة سالمًا من سهام أعدائه، وقد قيل في المثل: ضعيفان يَغلبان قويا.

وقد أصاب أعداؤه شاكلته بما رَموه؛ لأنهم أقدرُ على تزويق تهمتهم منه وترويجها بين العامة، إذ كان في شغل شاغل بالإكباب على السكر ولهو النساء. ولقد وجدوا له أكبرَ من ذلك مما يثير غضب العامة، وهو ثرثرته في أعراض الناس من جهة نسائهم، فأصبح مركوزًا في يقين العامة أن بشارًا زنديقٌ ملحد مخلِّق أزواج الناس عليهم (٢). ومثل هذه الظَّنَّة لا يستخفّ بها الخلفاء وولاة الأمور، إذ كانوا يومئذ في طالعة دولة لهم جديدة، وكانوا متصنِّعين في التحبب إلى العامة، ليُنْسوهم عَهْدَهم من حب بني أمية، وكانوا مُظْهِرين أنَّهم أنصارُ الدين وهداةُ الأمة وورثةُ النبوة.

ولهذا نرى في ترجمة بشار وفي شعره أن المهديَّ كان ينهاه المرةَ بعدَ المرّة عن التعرض إلى النساء في شعره (٣). وهل تظن من ذلك أن غيره من الشعراء لم يكن


= ثم قال: "فتوقاه سيبويه بعد ذلك، وكان إذا سئل عن شيء فأجاب عنه ووجد له شاهدًا من شعر بشار احتج به استكفافًا لشره". كتاب الأغاني، ج ٣، ص ٢١٠ (نشرة القاهرة)؛ الأغاني، ج ١/ ٣، ص ٦٩٢ (نشرة الحسين). وقد رد المرزباني ذلك بعد أن ذكر القصة وسياق البيتين، حيث قال: "قال ابن مهدي: وحدثني أبو هِفَّان، قال: حدثني أبو مُلحم، قال: كان بالبصرة امرأةٌ يقال لها الفارسية مشهورة بالزنا، فكان أهلُ البصرة إذا أرادوا أن يزنُّوا [أي يتهموا] قالوا له: يابن الفارسية. فإلى هذا ذهب بشار، وكان أشدَّ عصبية للفرس مِنْ أن يقول هذا". الموضح، ص ٢٨٧.
(١) انظر نماذجَ من هجاء بشار لحماد عجرد وعبد الكريم بن أبي العوجاء في: ديوان بشار بن برد، ج ٢/ ٣، ٢٣٧ - ٢٣٨، ٢٦٤ - ٢٧٠؛ ج ٢/ ٤، ص ٣١، ٤٩، ١٣٠ - ١٣١، ١٣٨ - ١٣٩.
(٢) أي أنه يفسد النساء على أزواجهن.
(٣) وفي ذلك يقول بشار:
تَجالَلْتُ عَنْ فَهْرٍ وعن جارَتَيْ فهر ... وَوَدَّعْتُ نُعْمَى بالسَّلَامِ وَبِالهَجْر
وعارضةٍ سِرًّا وَعِندِي منادح ... فَقُلْتُ لَهَا: لَا أَشْرَبُ المَاءَ بِالخَمْرِ
تَرَكْتُ لمِهْديِّ الصَّلاةِ رُضَابَها ... ورَاعَيتُ عَهْدًا بَيْنَنَا لَيْسَ بِالخَتْرِ =

<<  <  ج: ص:  >  >>