للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حمير واليمن. ولكنه لم يكن مع ذلك يتنقّص العرب، كيف وإنما قيمته من العربية؟ ويُشْبه بشارٌ في الشعوبية إسماعيلَ بن يسار من شعراء عصر الدولة الأموية.

وقد كان أشدَّ الناس عليه في التشويه عليه بسوء اعتقاده واصلُ بن عطاء الغزال رئيس المعتزلة؛ فإن بشارًا بعد أن كان من أشياعه ومدّاحيه انقلب عليه وهجاه وهجا نحلته، وانتصر للخوارج الذين كان واصلٌ أبغضَ الناس لنحلتهم وأشدَّهم عليهم. فلذلك أضمر له واصلٌ غيظًا شديدًا، وهدده بالإغراء بقتله، وما منعه من ذلك إلا تقواه وخشية سوء السمعة لمذهب الاعتزال. على أنه لم يفتأ واصلٌ يكيد له مع أمراء البصرة، وكان واصل مسموعَ الكلمة، حتى نفي بشار عن البصرة. وقد ذكر الجاحظ (في كتاب البيان في جزئه الأول) وأبو الفرج الأصفهاني (في الأغاني) وغيرُهُما أخبارًا كثيرةً في شأنه مع واصل بن عطاء في حالتَيْ الرضا والغضب (١).

والمتأمل في سياق ما يُلْمَز به بشار من الزندقة أو النِّحل الفاسدة والشاذة يرى الذين يلمزونه بذلك مختلِفِي صفة النسبة: فمنهم من يَنْسُب إليه التظاهر بما نسبه هو إليه، ومنهم من ينسُب إليه الإسرار بذلك في باطنه. ولا بد أن نَجهَر بإسقاط إحدى النسبتين، وهي نسبة التظاهر باتباع النحل الباطلة، فإن مَنْ يقرأ أخبارَه وشعرَه يراه ملتزمًا عقد الإيمان الصحيح، مخبِرًا عن نفسه بأداء الصلاة والصوم وشرائع الإسلام، ألا ترى إلى قوله في ترك وصال خلّته في شهر رمضان:

فِي لَيْلَة خَلْفَ شَهْر الصَّوْم نَاقصَة ... تسْعًا وَعشْرينَ قَدْ أَحْصَيْتُهَا عَدَدَا

حَتَّى ارْتَقَيْتُ إلَيْهَا فِي مُشَيَّدَةٍ ... دُونَ السَّمَاء تُنَاغِي ظلَّها صَعَدَا (٢)

وقوله:


(١) انظر الجاحظ: البيان والتبيين، ج ١/ ١، ص ١٧ - ١٨ و ٢٤ - ٢٦؛ الأصفهاني: كتاب الأغاني، ج ٣، ص ١٤٥ - ١٤٦، ١٨٢، ٢٢٤ (نشرة القاهرة)؛ الأغاني، ج ١/ ٣، ص ٦٤٨، ٦٧٢، ٧٠١ (نشرة الحسين). وانظر كذلك الشريف المرتضى: غرر الفوائد ودرر القلائد، ج ١، ص ١٥٥.
(٢) ديوان بشار بن برد، ج ١/ ١، ص ١٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>