للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بمقدرته على الالتحاق بشأن العرب الخلَّص، أم كان من جهة نسج نظمه، فيأتي على طريقة العرب في أساليب تراكيب الجمل عندهم وفي توخي الكلمات الواقعة في أشعارهم، وكل ذلك دليل على سعة علمه بالعربية الحقة وسلامة ذوقه، وقد أفصح عن عنايته هذه لِخلَفٍ الأحمرِ حين سأله عن وقوله:

بَكِّرَا صاحِبَيَّ قَبْلَ الهَجِيرِ ... إِنَّ ذَاكَ النَّجَاحَ فِي التَّبْكِيرِ (١)

كما سنذكره. وقد كان التنافسُ في التحاق شأوِ شعراء الجاهلية مرمى همم الشعراء والعلماء في ذلك العصر، حتى إن خلفًا الأحمر كان يتبجح بأنه يستطيع أن يضع في شعر كل واحد من شعراء الجاهلية أبياتًا، أو يعزوَ إليه قصائدَ تشتبه بشعره أتَمَّ الاشتباه. وقد قيل: إنه وضع اللامية التي أولها: "أقيموا بني أمِّي صدورَ مطيَّتكم" ونسبهما إلى الشنفَرَى لهذا الغرض، وإنه وضع القصيدة التي أولها:

إِنَّ بِالشَّعْبِ الَّذِي دُونَ سَلْعٍ ... لَقَتِيلًا دَمُهُ مَا يُطَلُّ

وعزاها إلى الشنفرى أيضًا (٢).


(١) ديوان بشار بن برد، ج ٢/ ٣، ص ١٨٤.
(٢) والقصيدة من ستة وعشرين بيتًا من بحر المديد، ذكر منها أبو تمام أربعة وعشرين. وقد نسبت كذلك لتأبط شرًّا، قال المرزوقي: "ذُكر أنه لخلف الأحمر، وهو الصحيح". وعلق عليه الأستاذ عبد السلام هارون بقوله: "وعبارة التبريزي مطابقة لهذه"، وزاد: "وقيل: قال ابن أخت تأبط شرًّا، قال النمري: ومما يدل على أنها لخلف الأحمر قوله فيها: جل حتى دق فيه الأجل؛ فإن الأعرابي لا يكاد يتغلغل إلى مثل هذا. قال أبو محمد الأعرابي: هذا موضع المثل: ليس بعشك فادرجي. وليس من هذه الجهة عُرف أن الشعر مصنوع، لكن من الوجه الذي ذكره لنا أبو الندى قال: مما يدل على أن هذا الشعر مولد أنه ذكر فيه سلعًا، وهو بالمدينة، وأين تأبط شرًّا من سلع؟ وإنما قتل في بلاد هذيل ورمي به في غار يقال له رخمان". المرزوقي: شرح ديوان الحماسة، ج ٢، ص ٨٢٧. ولكن الشيخ محمود شاكر عليه رحمة الله نهض لتحقيق القصيدة تحقيقًا دقيقًا ودراستها دراسة تاريخية ضافية وتحليلها تحليلًا عميقًا أفضيا به إلى تأكيد نسبتها إلى ابن أخت تأبط شرًّا. انظر: شاكر، محمود محمد: نمط صعْب، ونمط مخيف (جدة: دار المدني/ القاهرة: دار المدني، ط ١، ١٤١٦/ ١٩٩٦). وتجدر الإشارة إلى أن الشاعر الألماني غوته قام بترجمة هذه القصيدة إلى اللغة الألمانية.

<<  <  ج: ص:  >  >>