للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد جمع بشار في ملكته الشعرية بين متانة المعنى وفصاحة اللفظ وبداهة القريحة، وقلما اجتمعت في شاعر. أحضره المهدي فقال له: "قل في الحب شعرًا ولا تطِلْ، واجعل الحبَّ قاضيًا بين المحبِّين، ولا تسمِّ أحدًا، فقال (على البديهة):

أَجْعَلُ الحُبَّ بَيْنَ حِبّي وبَيْنِي ... قَاضِيًا إِنَّنِي بِهِ اليَوْمَ رَاضِي

فَاجْتَمَعْنَا فَقُلْتُ: يَا حِبَّ نَفْسِي ... إِنَّ عَيْنِي قَلِيلَةُ الإغْمَاضِ

أَنْتَ عَذَّبْتَنِي وَأَنْحَلْتَ جِسْمِي ... فَارْحَمِ اليَوْمَ دَائِمَ الأَمْرَاضِ

قَالَ لِي: لَا يَحِلُّ حُكْمِي عَلَيْهَا ... أَنْتَ أَوْلَى بِالسُّقْمِ والإِحْرَاضِ

قُلْتُ لَمَّا أَجَابَنِي بِهَوَاهَا: ... شَمِلَ الجورُ فِي الهَوَى كُلَّ قَاض

فبعث إليه المهدي: حكمتَ علينا ووافقَنا ذلك، وأمر له بألف دينار". (١)

وفي العقد الفريد: "قال الربيع: خرجنا مع المنصور مُنصرَفَنَا من الحج، فنزلنا الرَّضمة، واستقبله الناسُ وفيهم بشار، فلما أراد الرحيلَ في وقت الهاجرة لم يركب القبَّة وركب نَجيبًا فسار والناس حوله، فجعلت الشمس تضحك بين أعينهم، فقال المنصور: إني قائل بيتًا فمَنْ أجابه وهبتُ له جبّتي هذه، فقالوا: يقول أمير المؤمنين:

وَهَاجِرَةٍ نَصَبْتُ لَهَا جَبِينِي ... يُقَطِّعُ ظَهْرُهَا ظَهْرَ العَظَايَهْ

فبادر بشار فقال:

وَقَفْتُ بِهَا القَلُوصَ فَفَاضَ دَمْعِي ... عَلَى خَدِّي وَأقْصَرَ وَاعِظَايَهْ


(١) الأصفهاني: كتاب الأغاني، ج ٣، ص ٢٢٢ (نشرة القاهرة)؛ الأغاني، ج ١/ ٣، ص ٧٠٠ - ٧٠١ (نشرة الحسين)؛ ديوان بشار بن برد، ج ٢/ ٤، ص ١٠٥ - ١٠٦ (الملحقات). وما بين القوسين زيادةٌ من المصنف. والإحراض: إدناف الحب، ومنه قول العرجي:
إِنِّي امْرُؤٌ لَجَّ بِي حُبٌّ فَأَحْرَضَنِي ... حَتَّى بَلِيتُ وَحَتَّى شَفَّنِي السَّقَمُ
الأصفهاني: كتاب الأغاني، ج ١، ص ٣٨٩ (نشرة القاهرة)؛ الأغاني، ج ١/ ١، ص ٢٤٨ (نشرة الحسين). وفيه "أنا" بدل "إني".

<<  <  ج: ص:  >  >>