للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسم الثاني: الصِّيغ الدالة على معانٍ عارضة لمعاني المصادر زائدة عليها، كدلالة صيغة "فَعَل" على كون المعنى المصدري وقع في زمن مضى "ويَفْعَل" على كونه واقعًا في زمن الحال، ودلالة صيغه "فاعِلٍ" على كون المعنى صادرًا مِمَّنْ تلبَّسَ بالمصدر.

وهذه الألفاظ بقسميها يختص بالبحث عنها علمُ متن اللغة وعلمُ التصريف. وأما الأحكام فهي الكيفياتُ التركيبية التي يتألف الكلام العربي عليها تألفًا مطّرِدًا ولو بوجوه متعددة، بحيث لو أُخرج انتظامُه عن تلك الكيفيات لكان غيرَ جار على ما تكلم به العربُ أصحابُ هذه اللغة، وأصبح كلامه عسيرَ الفهم لأهل هذه اللغة، ككون الاسم الذي هو في أول الكلام ومخبرٌ عنه بخبر يكونُ الحرفُ الأخيرُ منه مضمومًا، وكونِ الفعل الدال على زمن الحال يكون آخر حروفه مضمومًا ما لم تسبقه كلمة من كلمات معروفة معدودة إذا سبقَت إحداها الفعلَ الدالَّ على الحدث صار آخره مفتوحًا. وكذلك استعمال الكلمات في غير ما وُضعت له لمناسبات وعلاقات، وكذلك النكتُ والمناسبات في الكلام المبنيُّ عليها أدبُ العرب، وكذلك موازينُ الشعر وطرقُ السجع. وهذه الأحكامُ يبحث عنها في علم النحو وعلم البلاغة وعلم العروض.

وقد بذل أئمةُ علوم العربية جهودَهم في استقراء كلام العرب بنوعيه، فاستخرجوا من استقرائهم القسمَ الأول من النوع الأول، واتفقوا على أنه لا يؤخذ إلا بالسماع من العرب، ودوّنوا ذلك بمعانيه في مطولاتِ كتبهم التي أولها وأصلها كتاب العَيْن للخليل بن أحمد الفَرَاهيدي رحمه الله، وهو الذي بتهذيب من جاء بعده وتلخيصه وتصحيحه والزيادة عليه كملت كتبُ متن اللغة المعبر عنها عندنا (بالقواميس) أخذًا من اسم كتاب الفَيْرُوْزَبَاذِي المسمّى بالقاموس.

واختلفوا: هل يمكن ادعاءُ أنهم أحاطوا بكل ما تكلم به العرب؟ قال ابن فارس: "وما بلغنا أن أحدًا مِمَّنْ مضَى ادعى حفظَ اللغة كلها". (١) فلغة العرب لم تنته إلينا بكليتها، وإن كثيرًا من الكلام ذهب بذهاب أهله (٢).


(١) ابن فارس: الصاحبي في فقه العربية، ص ٢٤.
(٢) وقد ترجم ابن فارس بابًا بعنوان: "باب القول على أن لغة العرب لم تنته إلينا بكليتها، وأن الذي جاءنا عن العرب قليل من كثير، وأن كثيرًا من الكلام ذهب بذهاب أهله". المصدر نفسه، ص ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>