للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جزم علماءُ العربية بأن ناسًا من المولَّدين قد بلغ حظُّهم في العربية مبلغَ أن يكون كلامُهم حجةً فيها، مثل الإمام محمد بن إدريس الشافعي؛ لأنه نشأ في هُذَيل حتى إن الأصمعي روى عنه عربيةً كثيرة، ومثل أبي الطيب المتنبي وأبي القاسم الزمخشري. فليس بشارٌ بالقاصر عن هذه المرتبة التي وُضِع هؤلاء فيها؛ إذ هو معاصرٌ العجاجَ وذا الرمة ورؤبةَ بنَ العجاج.

على أن بشارًا كان يُدِلُّ بعلمه في العربية، فيعمد إلى تغيير في بعض الكلمات إذا رأى لذلك داعيًا. قال أبو هلال العسكري في "ديوان المعاني": ذكر بشار في قصيدة له داليّة بناها على فتح حرف الرِّدْف (١) فوقع له فيها لفظ "صِنْدد" و"رِمْدد" ففتح دَالَيها، إذ حَكى محمد بن حبيب أنه رواهما بفتح الدالين، والفتح خطأ، إذ ليس في العربية فِعْلَل إلا دِرْهَم، وهِجْرَع الطويل الأحمق، وهِبْلَع الكثير البلع، وقِلْعَم الكثير القلع للأشياء. قال أبو هلال: "وكابَرَ في فتح الراء من دَرَم في القصيدة التي أولها: أَفيضَا دمًا إن الرَّزايا لها قِيم". (٢)


(١) أراد بالردف الحرف الذي قبل حرف الروي على اصطلاح المتقدمين، وإن كان أهلُ العروض لا يسمون بالردف إلا الواو والياء اللينتين إذا وقعتا قبل حرف الروي. - المصنف.
(٢) الصحيح أن كلام أبي هلال يدور على أبيات لابن الرومي لا بشار، فقد قال تعليقًا على بيت ابن الرومي:
مَنَاكَ لَهُ مِقْدَارُهُ فَكَأَنَّمَا ... تَقَوَّضَ ثَهْلانٌ عَلَيْهِ وَصِنْدَدُ
"فقال: صندَد، بفتح حرف الردف، وهو خطأ. وليس في العربية فعلَل، إلا درهم، وهجرع وهو الطويل الأحمق، وهبلع وهو الكثير البلع، وقلعم وهو الكثير القلع للأشياء. وكان بنى قصيدتَه على فتح الردف، ولم يلزمه ذلك، وكابر على فتح صندد ورمدد، وهما مكسوران، فزعم محمد بن حبيب أنه رواهما بالفتح. وكابر أيضًا على فتح الراء في "درم" في قصيدته التي أولها: أَفيضَا دمًا إن الرَّزايا لها قِيم، وإنما هو دَرِم". العسكري: ديوان المعاني، ص ٤٠٥. والبيت محل النقد من قصيدة طويلة من بحر الطويل يمدح فيها الشاعرُ ذا الوزارتين صاعد بن مخلد (توفي سنة ٢٧٢ هـ) طالعها: أبين ضلوعي جمرة تتوقد. وثُهلان: جبل بالعالية، وصِندد: جبل بتهامة. وكذلك فإن قصيدة "أَفيضَا دمًا" هي لابن الرومي وليست لبشار كما يوحي به كلام المصنف عليه رحمة الله، والبيت موضع النقد فيها هو قوله: =

<<  <  ج: ص:  >  >>