للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن إدلاله بعلمه أيضًا ارتكابُه ما لا يجوز في اللغة عند الضرورة - علمًا بأنه لا يُتّهم بالجهل - فسلك مسالكَ شعراء العرب في إقدامهم على ما بسبب الإقدام عليه اتسعت الوجوهُ في اللغة، فقد قال بشار (في الورقة ١٩٧):

زُرِي رَوْحًا فَلَنْ تَجِدِي كَرَوْحٍ ... إذَا أَزِمَتْ بِكِ السَّنَةُ الجَمَادُ (١)

فقوله: "زُرِي" صوابه "زوري" بإثبات الواو التي هي عين الكلمة، إذ لا موجب لحِذفها؛ فإنها في أمر المذكر لالتقاء الساكنين، إذ الأمر مجزوم، وأما في أمر المؤنثة فلا موجب لحذفها، لأن ما بعدها متحرك بحركةٍ مناسبة الياء.

فشعرُ بشار يُسْتَخْلَصُ منه مَذْهبُه في طريقة اشتقاق اللغة للمتكلِّم بها، فهو يرى جوازَ اشتقاق الألفاظ بصيغة من صيغ الاشتقاق التي اشتقّ جها العربُ من كل مادة عربية أصلية على حسب القواعد والضوابط المستقراةِ من كلام العرب، دون توقّفٍ على سماع تلك الصيغة بعينها من تلك المادّة. ومثال هذا قوله:

وَإِذَا سَرَى كَحَلَ الزَّميلَ بأَرْقةٍ ... مِنْ قَرْعِ بَازِلهِ وَمِنْ قَيْقَابِهِ (٢)

فصاغ القيقابَ مصدرًا من قبَّ الفحل قَبًّا إذا قَعْقَعَتْ أنيابُه، والفِيْعَال يكون مصدر فَاعَلَ، نحو القِيتال، وهو يأتي للمبالغة، فأتى به كذلك، وجاء بصيغته، وهي


= سَمَا نَحْوَهَا خَطْبٌ مِنَ الدَّهْرِ فَاتِكٌ ... فَطَاحَتْ جُبَارًا مِثْلَ صَاحِبِهَا دَرَم
وانظر البيتين في: ديوان ابن الرومي، ج ١، ص ٣٨١؛ ج ٣، ص ٢٩٤. ومما يؤيد ما قررناه أن المصنف لم يلحق الأبيات المذكورة في ديوان بشار.
(١) ديوان بشار بن برد، ج ٢/ ٣، ص ٥٦. والبيت من قصيدة طويلة من بحر الوافر يمدح فيها بشار رَوح بن حاتم، ويشبب فيها بامرأة اسمها ريمة.
(٢) ديوان بشار بن برد، ج ١/ ٢، ص ٣٠٣. البيت هو الثامن والعشرون من قصيدة واحد وسبعين بيتًا من بحر الطويل يمدح فيها بشار داود بن حاتم. والقيقاب خرزة تُصقل بها الثياب، شبه بها ناب البعير.

<<  <  ج: ص:  >  >>