للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا بُدَّ أَنْ تَغْشَاكَ - حِينَ غَشِيتَهَا ... هَوَاجِدُ أَبْكارٍ عَلَيْكَ وَثِيبُ (١)

وأما في اشتقاق الأفعال فتوسعه كثير، ولا عجب في ذلك لأنه أخف من القياس على الأسماء إلا أن بشارًا يعمد إلى ضربٍ من اشتقاق الأفعال، وهو عدم اكتراثه بالتعدية واللزوم، فربما استعمل القاصرَ متعديًا كقوله:

وَحَاسِدُ قُبَّةٍ بُنِيَتْ لِرَوْحٍ ... أَطَالَ عِمَادَهَا سَلَفٌ وَآدُوا (٢)

فاستعمل آد بمعنى قوّى متعدّيًا من الأيْد، والمعروف في كلام العرب أنه قاصر، يقال: آدَ فلان، إذا اشتدّ وقوِي (٣).

وأما توسُّعه في مخالفة قواعد الإعراب، فله شذوذاتٌ غير مسموع نظيرها، ولعلها من التنادر الذي أهمله أئمّة العربية لشدة ندوره، كقوله:

كَلَا المَيْتِ وَإِيَّانَا ... كَمَا لَاقَى وَلَاقَيْتُ (٤)

فأضاف "كَلَا" إلى اسم ظاهر، وهو وارد في الضرورة بالعطف، كقول الشاعر:

كَلَا أَخِي وَخَلِيلي وَاجِدِي عَضُدًا ... فِي النَّائِبَاتِ وَإلمَامِ المُلِمَّاتِ (٥)


(١) ديوان بشار بن برد، ج ١/ ١، ص ٢١٠. البيت هو السادس من قصيدة من سبعة وثلاثين بيتًا من بحر الطويل قيلت في النسيب بسعدى بن صقر بن قعقاع المالكية من بني بكر.
(٢) ديوان بشار بن برد، ج ٢/ ٣، ص ٥٦.
(٣) هذا القول موضع نظر نبسطه في مكان البيت من الديوان. - المصنف. قال في التعليق على البيت: "آدوا هنا بمعنى ثبَّتوا وقَوَّوْا، فإما أن يكون مأخوذًا من الأَيْد وهو القوة، فيكون فعلًا ثلاثيًّا متعديًا. ولكن المعروف في كتب اللغة أن الثلاثيَّ من الأيد إنما هو قاصر، يقال: آد يئيد إذا اشتد وقوي. فالعهدة على بشار في هذا الاستعمال. وإما أن يكون من الأود - بالواو - وهو الثقل، فيكون هنا مجازًا في التثبيت؛ لأن الشيء الثقيل يثبت على الأرض ولا يتزلزل". ديوان بشار بن برد، ج ٢/ ٣، ص ٥٦ (الحاشية رقم ١).
(٤) ديوان بشار بن برد، ج ١/ ١، ص ٢٤. البيت هو الخامس والعشرون من قصيدة من اثنين وأربعين بيتًا من بحر الهزج، قالها في النسيب بعبدة.
(٥) هذا البيت من الشواهد النحوية التي لم ينسبها العلماء لقائل معين، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>