للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنت خبيرٌ بأن بين المعنيين بونًا يُعدُّ ادعاءُ سرقة بشار منه ظلمًا لبشار، فإن كان لمجرد ذكر لفظ الجِلْد فيجب أن يكون من قال لفظًا في شعره يُعدّ على مَنْ يستعمل مثله سرقة. وقال الإمام المرزوقي في "شرح الحماسة" قولُ الأحوَص الأنصاري:

إِنِّي إِذَا خَفِيَ الرِّجَالُ وَجَدْتَنِي ... كَالشَّمْسِ لَا تَخْفَى بِكُلِّ مَكَانِ

إن بشارًا أخذه في قوله:

أَنَا المُرَعَّثُ لَا أَخْفَى عَلَى أَحَدٍ ... ذرَّتْ بِيَ الشَّمْسُ لِلْقَاصِي وَلِلدَّانِي (١)

ومثلُ هذا المعنى مِمَّا تتوجه إليه قرائحُ الشعراء كثيرًا، فلا حظَّ لواحد منهم دون آخر إلا بمقدار حسن تصرفه في التعبير عنه. والأديب اللبيب لا يمتري في حسن تصرف بشار فيه لعدوله عن تشبيهه بالشمس إلى جعل الشمس تطلع به، فسلك طريقةً التجريد المتضمنة للتشبيه، وهي أدقّ، لا سيما إذا كان التشبيه مطروقا.

والتحقيق أنه لا يخلو شاعرٌ عن أن يُلِمَّ في شعره ببعض معاني الشعراء وبعض تراكيبهم، ولا يُعدّ ذلك سرقة. وقد صدر ذلك من العرب ومَن بعدهم،


= لَقَدْ كُنْتَ فِي قَوْمٍ عَلَيْكَ أَشِحَّةٍ ... بِنَفسكَ، لَوْلَا أنَّ مَنْ طَاحَ طَائِحُ
الجاحظ، البيان والتبيين، ج ١/ ١، ص ٤٣ - ٤٤.
(١) بيت الأحوص بن محمد الأنصاري هو الرابع من الحماسية ٥٤، والأحوص شاعر إسلامي من شعراء المدينة، عاش في العصر الأموي. المرزوقي: شرح ديوان الحماسة، ج ١، ص ٢٢٣. والصحيح أن القائل بأن بشارًا أخذ معنى بيته المذكور من بيت الأحوص هو الخطيب التبريزي لا المرزوقي. شرح ديوان الحماسة، ج ١، ص ١٧٠ (الحماسية ٥٥). وقد علق المصنف على هذا البيت بما يأتي: "وأحسب أن هذا البيت هو عين البيت الواقع في الديوان عدد ٧٢ ورقة ٩ بلفظ: للداني وللنائي، في حرف الهمزة، فاشتبه على ناقليه. ويجوز أن يكون أعاده بشار في قصيدة نونية". ديوان بشار بن برد، ج ٢/ ٤، ص ٢٣٦ (الملحقات). والبيت المشار إليه في القصيدة الهمزية هو:
أَنَا المُرَعَّثُ لَا أَخْفَى عَلَى أَحَدٍ ... ذرَّتْ بِيَ الشَّمْسُ لِلدَّانِي وَللنَّائِي
المصدر نفسه، ج ١/ ١، ص ١٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>