كتاب جمهرة مقالات ورسائل الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور

بشار بن برد: حياته وشعره - نقده للشعر والشعراء - ج: 4 - ص: 1684

العلاء أنه صنع هذا البيت وأدْخلَه في شعر الأعشى [وذكر أبو عبيدة البيت]، فجعلْت حينئذ أزدادُ عجبًا من فطنة بشار، وصحة قريحته، وجودة نقده للشعر". (١)

وقال الرياشي: "أُنْشِد بشارٌ قولَ كُثيِّر عزَّةَ (أو هو قول المجنون، كما قال الراغب في المحاضرات):

وَقَدْ جَعَلَ الأَعْدَاءُ يَنْتَقِصُونَهَا ... وَتَطْمَعُ فِيهَا أَلسُنٌ وَعُيُونُ (٢)

أَلَا إِنَّمَا لَيْلَى عَصَا خَيْزُرَانةٍ ... إِذَا غَمَزُوهَا بِالأَكُفِّ تَلِينُ

فقال بشار: قاتل الله أبا صخر، يزعم أنها عصًا، ويعتذرُ بأنها خَيْزُرانة، والله لو جعلها عصًا زُبْدٍ أو عصا مُخٍّ لقد كان جعلها جافيةً خشنةً بعد أن جعلها عصًا، فكان قد هجن كلامه بذكر العصا، ألا قال كما قلْتُ:

وَدَعْجَاء المَحَاجِرِ مِنْ مَعَدٍّ ... كَأَنَّ حَدِيثَهَا ثَمَرُ الجِنَانِ

إِذَا قَامَتْ لِمَشْيَتَهَا تَثَنَّتْ ... كَأَنَّ عِظَامَهَا مِنْ خَيْزُرانِ" (٣)

---

(١) الأصفهاني: كتاب الأغاني، ج ٣، ص ١٤٣ - ١٤٤ (نشرة القاهرة)؛ الأغاني، ج ١/ ٣، ص ٦٤٦ - ٦٤٧. وانظر كذلك: سير أعلام النبلاء، ج ٦، ص ٤٠٩.
(٢) كذا في رواية الأصفهاني والزجاجي والمرتضى للبيت بضمير الجمع المتكلم، وهو كذلك المثبت في ديوان كثير، حيث جاء فيها "يَنْتَقِصُونَنَا" بدل "يَنْتَقِصُونَهَا" و"فينا" بدل "فِيهَا".
(٣) لم يسم الرياشيُّ فيما رواه عنه أبو الفرج والزجاجي صاحبَ هذا الشعر، وإنما قال: "قول الشاعر"، وحكى الحصري القصة على نحو قريب مما ساقه المصنف هنا مقتصرًا على ذكر البيت الثاني الذي نسبه إلى كثَيِّر عزة. ولم أعثر على البيتين اللذين انتقدهما بشار عند الراغب الأصفهاني، ونسبهما أبو تمام إلى كثير وهما في ديوانه ضمن مقطوعة من سبعة أبيات معدودة من قصائده. الأصفهاني: كتاب الأغاني، ج ٣، ص ١٥٤ (نشرة القاهرة)؛ الأغاني، ج ١/ ٣، ص ٦٥٣ - ٦٥٤؛ أمالي الزجاجي، ص ٢١٣ - ٢١٥. الشريف المرتضى: غرر الفوائد ودرر القلائد، ج ١، ص ٤٨٠؛ الطائي، أبو تمام حبيب بن أوس: كتاب الوحشيات وهو الحماسة الصغرى، تحقيق عبد العزيز الميمني الراجكوتي (القاهرة: دار المعارف، ط ٣، ١٩٨٧)، ص ١٩٤؛ الحصري القيرواني: زهر الآداب وثمر الألباب، ج ١، ص ٢٨ - ٢٩؛ ديوان كثير عزة، تحقيق إحسان عباس (بيروت: دار الثقافة، ١٣٩١/ ١٩٧١)، ص ١٧٦. وانظر بيتي بشار في: ديوان بشار بن برد، ج ٢/ ٤، ص ٢٢٠.