للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع أن حقه عدم التنوين لوجود علة المنع من الصرف، وما تنوينه إلا لوقوعه مع "أغلالًا وسعيرًا" (١).

وقد جاء في حديث وفد عبد القيس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: "مرحبًا بالوفد، غير خزايَا ولا ندامى" (٢)، أراد ولا نادمين على قدومكم، والمشهور في جمع


(١) هذا وللمصنف تحقيق مهم في هذه المسألة يجدر جلبه هنا استكمالًا للفائدة، قال عند تفسير الآية المذكورة: "وكتب "سلاسلًا" في المصحف الإمام في جميع النسخ التي أرسلت إلى الأمصار بألف بعد اللام الثانية، ولكن القراء اختلفوا في قراءته: فنافع والكسائي وهشام عن ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر قرؤوا "سلاسلًا" منونًا في الوصل ووقفوا عليه، كما يوقف على المنون المنصوب. وإذ كان حقه أن يمنع من الصرف؛ لأنه على صيغة منتهى الجمع، تعين أن قراءته بالتنوين لمراعاة مزاوجته مع الاسمين اللذين بعده وهما "أغلالًا" و"سعيرا"، والمزاوجة طريقة في فصيح الكلام. ومنها قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لنساء: "ارجعن مأزورات غير مأجورات"، فجعل "مأزورات" مهموزًا وحقه أن يكون بالواو، لكنه همز لمزاوجة مأجورات. وكذلك قوله في حديث سؤال الملكين الكافر، فيقال له: "لا دريت ولا تليت"، وكان الأصل أن يقال: ولا تلوت. ومنه قول ابن مقبل أو القلاع. . . وهذه القراءة متينة يعضدها رسمُ المصحف، وهي جارية على طريقة عربية فصيحة. وقرأه الباقون بدون تنوين في الوصل، واختلفوا في قراءته إذا وقفوا عليه: فأكثرهم قرأه في الوقف بدون ألف فيقول سلاسل في الوقف. وقرأه أبو عمرو ورويس عن يعقوب بالألف على اعتباره منونًا في الوصل. وقرأه البزي عن ابن كثير وابن ذكوان عن ابن عامر وحفص عن عاصم في الوقف بجواز الوجهين بالألف وبتركها. فأما الذين لم ينونوا سلاسلا في الوصل ووقفوا عليه بألف بعد لامه الثانية - وهما أبو عمرو ورويس عن يعقوب - فمخالفةُ روايتهم لرسم المصحف محمولة على أن الرسم جرى على اعتبار حالة الوقف، وذلك كثير. فكتابة الألف بعد اللام لقصد التنبيه على إشباع الفتحة عند الوقف لمزاوجة الفواصل في الوقف؛ لأن الفواصل كثيرًا ما تعطى أحكام القوافي والأسجاع. وبعد فالقراءات روايات مسموعة ورسم المصحف سنة مخصوصة به. وذكر الطيبي أن بعض العلماء اعتذر عن اختلاف القراء في قوله سلاسلا بأنه من الاختلاف في كيفية الأداء، كالمد والإمالة وتخفيف الهمزة، وأن الاختلاف في ذلك لا ينافي التواتر". ابن عاشور: تفسير التحرير والتنوير، ج ١٤/ ٢٩، ص ٣٧٨.
(٢) جزء من حديث طويل عن أبي جمرة قال: "كنت أقعد مع ابن عباس، يجلسني على سريره، فقال: أقم عندي حتى أجعل لك سهمًا من مالي، فأقمت معه شهرين، ثم قال: إن وفد عبد القيس لما أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من القوم؟ " أو "من الوفد؟ " قالوا: ربيعة. قال: "مرحبًا بالقوم، أو بالوفد، غير خزايا ولا ندامى"، فقالوا: يا رسول الله، إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر الحرام، وبيننا =

<<  <  ج: ص:  >  >>