للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ تَشِنْ شَيْئًا وَلَكِنَّهَا ... بَدَّلَتِ التُّفَّاحَ بِاليَاسَمِينِ (١)

بخلاف الإخبار عن الأجفان بأنها صارت متقرحة، فذلك أمرٌ شائع في الكلام غير الشعر، يقولون: بكى فلان حتى تقرحت جفونه. فكأنه أخبر عن الخدود بمصيرها صفراء بعد الاحمرار، وذلك يوازن قولَ عبد الصمد بن المعذَّل (٢) في مليح أصابته الحمى:

لَمْ تَشِنْهُ لمَّا أَلَحَّتْ وَلَكِنْ ... بَدَّلَتْهُ بِالاحْمِرَارِ اصْفِرَارَا (٣)

فإذا جمعتَ هذا الوجهَ إلى الوجهين اللذين أخذناهما من كلام شرّاحه، صارت رواية قَرحًا بفتح القاف وبالتنوين متعينة وليست راجحة فقط، لما اشتملت عليه من اللطائف. ولذلك لم يسمح المتنبي برواية لفظ قرحى من بيته بلا تنوين، ولا جعله قُرحًا بضم القاف مع التنوين؛ لأن في كلام هذين الأخيرين فواتَ نكتة لا يرضى المتنبي بفواتها.

وفي بيت المتنبي من حسن التشبيه معنى رقيق؛ إذ قد أنبأ بأن محاسنَ الخدود لم تتغير بتغير لونها، ولكنها كانت زهرة حمراء فصارت زهرة صفراء فلم يفارقها حسن الزهور. واعلم أن المناسب لمعاني الغرام أن يكون عنَى بالأجفان أجفانه، وبالخدود الحبيب، بشهادة قوله قبله:


(١) البيت ذكره أبو العلاء، ولم أعثر عليه في ديوان ابن المعتز بطبعتيه. المعري: شرح ديوان أبي الطيب المتنبي، ج ١، ص ٢٧١.
(٢) عبد الصمد بن المعذَّل (بفتح الذال المعجمة المشددة) بن غيلان البصري، شاعر من شعراء الدولة العباسية. أبوه شاعر وأخوه شاعر، وكان هجّاء وكان معاصرًا لأبي تمام، ولد بالبصرة ونشأ بها، وتوفي بها.- المصنف.
(٣) الجرجاني: الوساطة بين المتنبي وخصومه، تحقيق، ص ٢٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>