للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: أنهم يريدون إظهارَ ثباتِهم على خصالهم ومحامدهم، وأنهم لا يُغَيِّرُهم عنها مُغَيِّر، ولا يصدُّهم لومُ أزواجهم وحبائبهم، قال:

وَتَرَانَا يَوْمَ الكَرِيهَة أَحْرَا ... رًا وَفِي السِّلْمِ لِلْغَوَانِي عَبِيدَا (١)

الرابع: أن يُبْنَى الشعرُ على خطاب المرأة في الشؤون التي يليها النساء، فيكونَ بناءُ ذلك الخطابِ إخراجًا للكلام على الغالب.

الخامس: تذَكُّرُ الخليلةِ عند الوقوع في مآزق الشدة؛ لأن ذلك من تَذَكُّرِ النَّعيم عند حُلول البؤس؛ إذ الشيءُ يُذكَرُ بضَدِّه، أو في حالة المسرة والانبساط، فالسِّيُّ بالسِّيِّ يذكر. فأما ما يرجع إلى الأمر الأول الجاري على أن يُطلبَ من المرأة أن تسأل وتستقري - وهو عمودُ هذا المقال - فأشهرُ وأقدمُ ما فيه قولُ السموأل بن عاديا، وهو عصريُّ امرئ القيس:

سَلِي إِنْ جَهِلْتِ النَّاسَ عَنَّا وَعَنْهُمُ ... فَلَيْسَ سَوَاءً عَالِمٌ وَجَهُولُ (٢)

والمعروفُ عند الرواة أنها للسموأل، وقد تردَّدَ في ذلك أبو تمام في "ديوان الحماسة"، فنسب القصيدةَ إلى عبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي، وهو شاعرٌ إسلامي (٣)، فخاطب امرأةً بأن تَسأل عن قومه وعن أقوامٍ دونهم، ولم يتقدم ذكرٌ


(١) البيت من مقطوعة من خمسة أبيات لأبي العباس عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب بن رزيق بن ماهان الخزاعي، كان واليًا على الدينور في زمن المأمون. كان شهمًا، جوادًا سخيًّا، عالِمًا متأدبًا، وهو الذي قصده أبو تمام وفي ضيافته ألف كتابه "ديوان الحماسة" اعتمادًا على ما جمعه هذا الوالي من كتب ودواوين نادرة. وقيل إن المقطوعة المذكورة لأصرم بن حميد أحد ممدوحي أبي تمام. ابن خلكان: وفيات الأعيان، ج ٣، ص ٨٥ - ٨٦.
(٢) البيت من قصيدة من خمسة عشر بيتًا قالها الشاعر في الافتخار بقبيلته وتعداد خصالها النبيلة من كرم وشرف نسب وسؤدد، وطالعها:
إِذَا المَرْءُ لَمْ يَدْنَسْ مِنَ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ ... فكُلُّ رِدَاءٍ يَرْتَدِيهِ جَمِيلُ
ديوانا عروة بن الورد والسموأل (بيروت: دار صادر، بدون تاريخ)، ص ٩٢.
(٣) الخطيب التبريزي: شرح ديوان الحماسة، ج ١، ص ٨٦. وقد ساق أبو تمام القصيدة كاملة.

<<  <  ج: ص:  >  >>