صلاحه بالتأديب، وكما يحمل أفراد الناس على الامتثال للشريعة بالرغبة والرهبة. وهذا لا يشك فيه عالم متشرع بل ولا عالم قانوني.
وإذا كان يدعي أن استعمال القوة ليس من توابع الرسالة وجعله تصرّفًا من النبي - صلى الله عليه وسلم - بصفة الملك، فهل يدعي أيضًا أن تعرض القرآن لذلك في نحو آية:{فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}[الحجرات: ٩] هو أيضًا تصرف بالسياسة ولا يسعه إلا التزامُ ذلك، فإذًا يصير القرآن مع كونه كتابَ دين هو أيضًا دستورَ سياسة، وكفى بهذا خبطًا. فإن أصاب فأجاب بأن الشريعة والسياسة أخوان، وأنه لا يتم شرعٌ بدون امتزاج بالحكومة، فقد تالب إلى الحق، وعلم أن لا بدّ من الأمرين لصلاح الخلق.
لا جرم أن الله تعالى ذكر الجهاد في كتابه وسماه الجهاد في سبيل الله، فكيف يعده المؤلف من أمثلة الشؤون الملكية بعد أن أثبت الفرق بينها وبين أحوال الرسالة؟ ولقد تجاوز هذا الحد في صحيفة ٥٤ فجعل أخذ الزكاة والجزية والغنائم من شؤون الحكومات خارجًا عن وظيفة الرسالة وبعيدًا عن أعمال الرسل باعتبار أنهم رسل فحسب.
وهذا كلام إن أراد به التفرقةَ بين مفهوم الرسالة المجردة والرسالة المقترنة بالسلطان فهو صحيح، لكنه لا فائدة فيه هنا. وإن أراد إثبات أنه غير الرسالة وأنه عمل حكومة وأنه قد اتفق في الوجود أن صار الملك رسولًا وصار الرسول ملكًا مع تنافي الصفتين، فسخافة ذلك لا تخفى لاقتضائها أن يكون الرسول قد يشتغل بالرسالة في أوقات ثمّ يتفرغ عنها إلى الاشتغال في أوقات أخرى بصناعة الملك. كيف والله تعالى يقول:{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}[الأنعام: ١٢٤]، ثم أنَّى يكون صحيحًا وهذا القرآن قد قرن الصلاة بالزكاة في كثير من آياته؟
ثم ذكر المؤلف في صحيفة ٥٩ بحثًا في أن تأسيس النبي للمملكة الإسلامية هل يكون خارجًا عن حدود رسالته، وجوز أن يكون ذلك خارجًا عن حدود