للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو البلاغ واستدلاله بها فيدل على أنه لا يُحْسِن بابَ القصر من علم المعاني، ولا يفرق بين الحقيقي والإضافي، ولا يفرق بين مفاد القصر الإضافي من قلب أو تعيين أو إفراد. فما عليه إلا إتقانُه ليعلم ما أفاد برهانُه.

ثم استدل في صحيفة ٧٦ بقوله - صلى الله عليه وسلم - للذي تلجلج بين يديه: "هون عليك فإني لست بملك" (١) وبقوله: "فاخترت أن أكون نبيًّا عبدًا" (٢) إلخ. وهذا استدلال سفسطائي مبني على اختلاف معاني اللفظ الواحد، فقد أوضحنا غير مرة أن الملك والقهر للضعفاء ومشاركة الخالق في صفة الكبرياء.

وأعجبُ من هذا كله استدلاله في صحيفة ٧٨ على نفي أن يكون النبي له حكم في الأغراض الدنيوية بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أنتم أعلم بأمور دنياكم" (٣) بعد أن حذف منه جذره وسببه. وهذا أيضًا من السفسطة؛ لأن الدنيا تُطلق على هذا العالم بأسره، وهي بهذا المعنى موضوعُ الشرائع والتي مراد الله نظامُها ونظامُ أهلها. وهي مزرعة الآخرة ومطية الجنة والنار، وتطلق على ما عدا الأمور الدينية والمعاني العلمية.


(١) ذكر ابن سعد: "أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُون، وَعَبْدُ الله بْنُ نُمَيْر، قَالا: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِم أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَخَذَهُ مِنَ الرِّعْدَة، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَوِّن عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِك، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْش كَانَتْ تَأْكُلُ القَدِيد"". الزهري: كتاب الطبقات الكبير، ج ١، ص ٧.
(٢) جزء من حديث أخرجه البزار بسند مرفوع، فال الهيثمي: رجاله ثقات، قال: "حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي الحَارِثِ، ثنا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، ثنا يَحْيَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ الحُسَيْنُ بْنُ عَليٍّ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى العِرَاقِ، أَرَادَ أَنْ يَلْقَى ابْنَ عُمَرَ، فَسَأَل عَنْهُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ فِي أَرْضٍ لَه، فَأَتَاهُ ليُوَدِّعَه، فَقَالَ لَه: إِنِّي أُرِيدُ العِرَاق، فَقَالَ: لا تَفْعَلْ، فَإنَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خُيِّرْتُ بَيْنَ أَنْ أَكُونَ نَبِيًّا مَلِكًا أَوْ نَبِيًّا عَبْدًا، فَقِيلَ لِي: تَوَاضَعْ، فَاخْتَرْتُ أَنْ أَكُونَ نَبِيًّا عَبْدًا" وَإِنَّكَ بِضْعَةٌ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَلا تَخْرُجْ. قَالَ: فَأَبَى، فَوَدَّعَه، فَقَالَ: أَسْتَوْدِعُكَ الله مِنْ مَقْتُول". الهيثمي، نور الدين علي بن أبي بكر: كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط ١، ١٤٠٤/ ١٩٨٤)، "كتاب علامات النبوة"، الحديث ٢٦٤٣، ج ٣، ص ٢٣٢ - ٢٣٣.
(٣) صحيح مسلم، "كتاب الفضائل"، الحديث ٢٣٦٣، ص ٩٢٣. بلفظ "أمر" بصيغة المفرد.

<<  <  ج: ص:  >  >>