للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا تأملتَ هذا، علمت أنه ما كان من حقِّ المؤلف أن يخوض في تعليق حرب الردة بهذا الموضع، إلا إذا كان يريد حملَ تبعته على أبي بكر؛ إذ لا صفةَ له تسوِّغ له قتالَ قوم لم يكن مسؤولًا عن كفرهم. لكنه ناقض نفسَه من حيث لا يدري؛ لأنه إذا كان يدعي أن أبا بكر زعيمٌ سياسي، فيجب أن يعترف له بالحق في قتال الخارجين من أهل مملكته.

أما محاورة مالك بن نويرة لخالد بن الوليد، فهي نفسُ ما قام به الفريق الثاني من أهل حروب الردة، وكان مالك بن نويرة من زعمائهم، ولعل ذلك سبب قتل خالد بن الوليد له؛ لأنه رآه مثوِّرًا للعامة ومغريًا لهم، كما هو الشأنُ في حمل التبعات على القادة والرؤساء؛ إذ العامة أتباع كل ناعق.

وأما مراجعة عمر بن الخطاب لأبي بكر رضي الله عنهما، فقد أبدى مؤلفُ الكتاب بعضَها وأخفى كثيرًا؛ فإن في آخر الخبر أن عمر بن الخطاب قال: "فعلمت أن ما شرح الله له صدرَ أبي بكر هو الحق"، فتكون معارضة عمر له معارضة من لم يظهر له دليل الحكم، وذلك أنه قال لأبي بكر: "كيف تقاتلهم وقد قالوا لا إله إلا الله"، فقال أبو بكر: "لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه"، قال عمر: "فعلمتُ أن ما شرح الله له صدرَ أبي بكر هو الحق". (١) وليس معنى ذلك أنه قال تقليدًا لأبي بكر، ولكن معناه أن حُجَّةَ أبي بكر قد نهضت في نظر عمر فصار موافقًا له في اجتهاده.


(١) صحيح البخاري، "كتاب الزكاة"، الحديثان ١٣٩٩ - ١٤٠٠، ص ٢٢٥؛ "كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم"، الحديثان ٦٩٢٤ - ٦٩٢٥، ص ١١٩٣؛ كتاب الاعتصام بالكتاب والسنَّة"، الحديثان ٧٢٨٤ - ٧٢٨٥، ص ١٢٥٣؛ سنن الترمذي، "كتاب الإيمان"، الحديث ٢٦٠٧، ص ٦١٤؛ سنن أبي دَاوُد، "كتاب الزكاة - وجوبها" الحديث ١٥٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>