للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالكوفة. وكان ظهورُ خلف الأحمر قبيل ذلك، فكان في عصر التقابس، ولكنه غلب عليه اتباعُ النحاة الكوفيين، ووافقهم في مسائل كثيرة من مسائل الخلاف، فنُسب إليهم.

وطريقةُ نحاة الكوفة أسعدُ بمنهج خلف؛ إذ كانت تغلب عليه روايةُ أشعار العرب. وفيها من نوادر الاستعمال توسعاتٌ تُلجئهم إليها الضرورة، ثم يتابع بعضُهم بعضًا فيها، فكان نحاةُ الكوفة يوسعون القواعدَ النحوية بمراعاة أن يسوِّغوا للمولَّدين استعمالَ ما يرد في شعر العرب، خلافًا لنحاة البصرة الذين لا يجيزون القياسَ على كثير من ذلك. فكثيرٌ مما يجعله نحاةُ البصرة مستثنًى من القاعدة ويصفونه بالندور، يجعله نحاةُ الكوفة من تمام القاعدة، فنحاةُ البصرة أشدُّ تثبتًا، وأضيقُ اشتراطًا.

ولذلك كان الكوفيون يأخذون عن البصريين، وكان البصريون لا يرضون بالأخذ عن الكوفيين، كما في "المزهر" (١). ومعنى هذا أن ذلك بعد أن افترق المذهبان بتحيز أتباع الكسائي، لا فيما قبل ذلك. ويظهر أن نحاة البصرة أرادوا لزَّ المولدين إلى اتّباع الاستعمال الشائع في العربية حفاظًا على سلامة اللغة من أخطاء المولدين كيلا تلتبس بتوسعات العرب الصرحاء حفظًا لقرار اللغة قرارًا مكينًا.

فأما الذين وصفوا خلفًا الأحمر بالبصري، فإنهم أرادوا نسبتَه إلى البلد الذي نشأ فيه وعُرف به، وهو محملُ كلام أبي الطيب الحلبي في كتابه "مراتب النحويين"، والسيوطي في ترجمته من "بغية الوعاة (٢). ومن أجل ذلك لم يترجم له السيرافي في


(١) قال السيوطي في سياق كلامه على طبقات علماء اللغة والنحو وأخذ بعضهم عن بعض: "وكذلك أهل الكوفة كلهم يأخذون عن البَصْرِيين، وأهل البَصْرَة يمتنعون من الأخذ عنهم؛ لأنهم لا يرون الأَعْرَاب الذين يَحْكُونَ عنهم حجة". المزهر، ج ٢، ص ٣٥١.
(٢) انظر: الحلبي، أبو الطيب عبد الواحد بن علي اللغوي: مراتب النحويين، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (القاهرة: مكتبة نهضة مصر ومطبعتها، بدون تاريخ)، ص ١، و ٧٢ و ٨٤؛ السيوطي: بغية الوعاة، ج ١، ص ٥٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>