للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"الجامع الكبير" إلى سلوك طريقةِ ضبطِ القواعد، وتزويدِ عقول مزاولي هذه الصناعة، مثلما سلك أبو يعقوب السكاكي في القسم الثالث من كتابه "مفتاح العلوم" (١). فـ "المثل السائر" يُفيدُ الصناعةَ العملية، و"الجامع الكبير" يُفيد الصناعةَ النظرية. وهما متفقان في المباحث والعناوين، إلا في قليلٍ من المباحِثِ انفرد بها أحدُهما عن الآخر: يظهرُ ذلك لك من الفرق بين أسلوبِ كلامِه على آلات البيان وأدواته في "المثل السائر" (صفحة ٤، مطبعة بولاق)، وكلامه على أدواته في "الجامع الكبير" (صفحة ٢١ مطبعة المجمع العراقي) (٢).

وكأنه لم يُرد في أحد الكتابين ذكرَ الكتاب الآخر؛ لأنه قصد غَرَضَيْن، وإن اتحدت الرمايةُ، واختلف المجرى في بلوغ الغاية.

وأما سببُ رواج "المثل السائر" وخمول "الجامع الكبير"، فقد تبين أن هذا الرواج والخمول أمر قديم؛ إذ قل أن يخلوَ كتابٌ مؤلَّف في صناعة الأدب والبيان بعد ابن الأثير عن ذكر كتاب "المثل السائر"، بخلاف ذكر كتاب "الجامع الكبير". وهذا البغدادي في كتابه "خزانة الأدب" قد ذكر مصادر كتابه، فعد منها "المثل السائر" ولم يذكر "الجامع الكبير"، مع اعتنائه بالنظائر والمؤلفات، وخاصة إذا كانت لمؤلِّفٍ واحد. وهذه نسخ "المثل السائر" مسير الأمثال، وقل أن تجد نسخةً من "الجامع الكبير" في أشهر المكتبات.

١ - ولعل أولَ أسبابِ رواجِ "المثل السائر" أنه ألفه أول من "الجامع الكبير"، فسار بين الناس، فلما ظهر "الجامع الكبير" كان الناسُ قد ملأوا أيديَهم منه فلم


(١) وهو القسم الذي تضمن تفصيل القول في علمي المعاني والبيان وعلم الاستدلال خاصة. السكاكي: مفتاح العلوم، ص ٢٤٧ - ٦١٦ (نشرة هنداوي).
(٢) ابن الأثير: المثل السائر، ج ١، ص ٢٩؛ الجامع الكبير (نشرة عبد الحميد هنداوي)، ص ١٢٧ - ١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>