للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُقبلوا عليه (١)، وقديمًا كان السبقُ سبيلًا للإيثار. وأيضًا لأن الأدباء آثروا "المثل السائر" بما احتوى عليه من كثير الرسائل الإنشائية والشواهد الشعرية، وأعرضوا عن " الجامع الكبير"؛ لأنهم رأوه لائقًا بالدراية والمدارسة الأدبية، فوجدوا في تآليف علم البيان والبديع غنيةً عنه، مثل كتابَيْ عبد القاهر وكتاب السكاكي ومَنْ حذا حذوهما.

على أن ما تضمنه "المثل السائر" من ذكر النكت والنوادر ومجاذبة البحث مع علماء الأدب مسح عليه مسحة من حسن كتب المحاضرات والأمالي، وذلك مما يروق للمطالع ويشوقه. إلا أنه يشتت على الناظر ارتباطَ مسائله وأخذ بعضها بحجز بعض، ولو اقتصد في كثير من نقده على علماء الأدب وأهله؛ فإن كثيرًا من حجاجه محلُّ نظر على إعجابه بأنظاره. و"المثل السائر" أمتعُ للناظر، و"الجامع الكبير" أجمع للخاطر. وكلاهما لا بد منه، ولا غنى للأديب عنه.

وأما تعرف أي كتابيه أسبق فِبنا أن نتوسمه من خلال كلامه في هذا وذاك؛ إذ لم يحتو أحدُ كتابيه على ذكر الآخر، وليس يكفي للحكم في هذا الشأن أن نجعل السبقَ للأخير منهما؛ فربَّ مؤلِّفِ كتاب يبدو له بعد إتمامه أن يختصره، ورب مؤلف يكون عمله بعكس ذلك.

وقد لاح لي مما ترَسَّمْتُه وتوَسَّمْتُه أن "الجامع الكبير" هو آخر كتابيه من عدة وجوه: أولها أنه رتب أبوابَ "المثل السائر" على تقديم ما يرجع إلى الصناعة اللفظية، وأردفَها بالأبواب التي ترجع إلى الصناعة المعنوية (٢). وعكس ذلك في "الجامع


(١) معاد الضمير في "منه" إلى "المثل السائر"، وفي "عليه" إلى "الجامع الكبير".
(٢) ابن الأثير: المثل السائر، ج ١، ص ١٤٩ - ٣٠٠ (حيث تكلم على الصناعة اللفظية)، وج ١، ص ٣٠١ - ٤١١ وج ٢، ص ٣ - ٣٩٧ (حيث تحدث عن الصناعة المعنوية).

<<  <  ج: ص:  >  >>