للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانتقاده على الألفاظ الرابع والخامس، وهي استعمالهم نوايا جمعًا لنية، واستعمالهم البؤساء جمعًا لبائس، واستعمالهم جملة "لحد الآن"، كلام متجه صحيح.

سابعها: أنهم يخطئون في نفي ماضي زال بلا النافية، والصوابُ أن يُنفَى بما النافية. قال: لأن فتئ وانفك وبرح وزال تُقرن بما نفيًا، وبلا دعاء، وبالهمزة استفهامًا، واستدل بقول الألفية: "فتئ وانفك وهذي الأربعة لشِبْهِ نفي أو لنفي متبعه" إلخ (١). وكلامه في هذا اللفظ مختلط وغير محرر؛ فأما حكمه بالخطأ في نفي ماضي زال بلا النافية فهو حكم صحيح، ولكنه لم يحرر تعليله إذ علله بأن زال وأخواته تقرن بلا نفيًا إلخ، وإنما ذلك يصلح تعليلًا لعمل زال وأخواته عمل كان وليس بيت الألفية مَسُوقًا إلا لبيان شرط إعمال زال وأخواته عمل كان.

وكان الحق أن يعلل ذلك بوجوب اتباع استعمال العرب؛ فإن العربَ لا يستعملون الماضي كله منفيًّا بلا النافية إذا لم يتكرر النفيُ إلا والمراد من النفي الدعاء، كقوله تعالى: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (٣١)} [القيامة: ٣١]. وكذلك إذا تكرر النفي في المعنى كقوله تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١)} [البلد: ١١] فإن الاقتحام الذي دل عليه الماضي المنفي بلا يشتمل على عدة أمور قد فسرها قوله تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: ١٣ - ١٧] , فآل معنى قوله: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١)} إلى معنى فلا فك رقبة ولا أطعم ولا آمن.

وفيما عدا ذلك لا يستعمل الماضي منفيًّا بلا إلا إذا كان المراد الدعاء دون الخبر، ولذلك كان تخصيص أبي يعلى حكمه بالأفعال الأربعة (زال وأخواته)


(١) ألفية ابن مالك، كان وأخواتها، البيت ١٤٥.
فَتِئَ وانْفَكَّ وهَذِي الأرْبَعَة ... لِشِبْهِ نَفْيٍ أوْ لِنَفْيٍ مُتْبَعَةْ

<<  <  ج: ص:  >  >>