للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قال العلامةُ التفتازاني هنالك بعد أن فرغ من التقسيم: "واعلم أن أمثالَ هذه التقسيمات التي لا تتفرع على أقسامها أحكامٌ متفارقة، قليلةُ الجدوى. وكأن هذا ابتهاجٌ من السكاكي باطلاعه على اصطلاحات المتكلمين. فلله درُّ الإمام عبد القاهر وإحاطته بأسرار كلام العرب وخواص تراكيب البلغاء؛ فإنه لم يزد في هذا المقام على التكثر من أمثلة أنواع التشبيهات، وتحقيق اللطائف المودَعة فيها". (١)

وأسلوبُ نظم كلامه في "المفتاح" وإن كان مملوءًا بالنكت الأدبية الدالة على ضلاعته في العلوم الأدبية، فهو غير خَليٍّ من النزوع إلى اللهجة الحكمية التي نرى عليها كتبَ أمثال ابن سينا مع فصاحته المشهود بها. وربما أطال الجملَ وأكثر المعترضات منها، فألجأ الناظرَ أن يعود بنظره من آخر الكلام إلى أوله ليلتئم المعنى المقصود في فهمه. ولذلك لم يختلف العلماء في صعوبة فهم كتابه على غير المتضلعين في العلم، بخلاف أسلوب الشيخ عبد القاهر في "دلائل الإعجاز"، فإن نسج كلامه يكسب مطالعه ملكة إنشائية متينة. وأنا وإن كنتُ لا أنصح الأدباء باتباع أسلوب نظم كلامه، أرى لهم في الإقبال عليه اكتسابَ ثروة من الألفاظ المفردة الفصيحة.

ومما اختصَّ به السكاكيُّ أنه غيّر كثيرًا من ألفاظ المصطلحات العلمية، خصوصًا المصطلحات المنطقية؛ لأنه حاولَ ابتزازَ (٢) علم النظر إلى العلوم العربية، واخترع ألفاظًا اصطلاحية لم تكن من عناوين المسائل. ومن أهم ما اشتمل عليه المفتاح خاتمته، وهي فذلكةٌ في رد المطاعن عن القرآن من أحسن ما كتب في هذا الغرض وفاءً به وإيجازا (٣).


(١) التفتازاني: المطول شرح تلخيص المفتاح، ص ٥٢٧.
(٢) أي جلب علم النظر (وهو علم المنطق) إلى علوم العربية وتوظيفه فيها. وقد تمثل ذلك بصورة خاصة في القسم الذي عنونه السكاكيُّ باسم "علم الاستدلال أو علم خواص تركيب الكلام".
(٣) السكاكي: مفتاح العلوم، ص ٧٠٠ - ٧٢٦ (نشرة هنداوي).

<<  <  ج: ص:  >  >>