للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من بعد به ذلك الواجبُ عنه، فإن كلَّ أولئك مستوون في مقدار التعلق النفسي به والانتماء إليه استواءَ حالَيْ أبي العلاء الذي مثَّله بقوله:

مَا سِرْتُ إِلَّا وَطَيْفٌ مِنْكِ يَصْحَبُنِي ... سُرًى أَمَامِي وَتَأْوِيبًا عَلَى أثَرِي (١)

لذلك فإن صاحبَ النفس الشاعرة حين يرى هذا المعهد غاصًّا بحِلَقِ الدروس مكتظًّا بجموع الطلبة يدرك أن وراء هذا الجمع الجسماني جمعًا روحانيًّا أعظم منه وأسمى، ألا وهو جمعُ القلوب الملتفة حوله العاطفة عليه بالحب والود والمؤازرة والمناصرة؛ إذ يرى فيهم القائمين بحق كلمة الإسلام، والذب عن حوزة الملة، والحفاظ على اللغة العربية التي هي العروةُ الوثقى لشد أواصر الجامعة الإسلامية، والشبيبة الصائرة إلى رجلة إسلامية عتيدة قائمة بالفرض الكفائي المؤكد على الأمة في آية: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: ١٢٢]، وعلم أنهم مناطُ آمالِ الأمة وزهرةُ حياتها القومية، فيوقن عند ذلك بأن كلَّ ما ينمي عدد الشباب ويعينه في طريق طلب العلم ويوفر عليه راحته حتى يُقبِل على عمله الجليل مطمئنَّ البال مكفيَ المؤنة، هو عملٌ يُعَدُّ السعيُ فيه مفروضًا عليه نحو دينه وأمته، ويُعَدُّ البخلُ في حقه تقصيرًا نحو عنوان شرفه ومجده، فحقيقٌ به أن لا يدخر عن أولئك الأبناء الروحيين ما لا يدخره عن أبناء صلبه.

ونحن إذا التفتنا إلى الحالة الحيوية التي عليها طلبةُ المعهد الزيتوني، نرى فيها من الحرمان والخصاصة والاضطراب أشياءَ لا يمكن أن يبلغ التعليمُ حدَّ الإصلاح


(١) البيت هو الرابع من قصيدة طويلة تشتمل على خمسة وسبعين بيتًا من البسيط، أولها:
يَا سَاهِرَ البَرْقِ أَيْقِظْ رَاقِدَ السَّمَرِ ... لَعَلَّ بِالجِزْعِ أَعْوَانًا عَلَى السَّهَرِ
وآخرها:
وَلَا تَزَالُ لَكَ أَزْمَانٌ مُمَتِّعَةٌ ... بِالآلِ وَالحَالِ وَالعَلْيَاءِ وَالعُمُرِ
المعلري: سقط الزند، ص ٣٦ - ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>