هذا المعهد المعظم يأوي إلى منزل حقيرِ الظاهر سخيفِ الباطن، يملؤه الأخلاطُ وتجافيه الآداب ومكارمُ الأخلاق.
ولطالما حرَّك هذا الشعورُ حميةً إسلامية في نفوس بعض المحسنين، فقاموا بجهودٍ مشكورة في سبيل إنقاذ الطلبة من هذه الحالة المؤلمة، نذكر منهم بلسان الثناء الملك المقدس سيدنا محمد الحبيب، والمنعَّمين الحاج قاسم بن يوسف، والحاج سعيد الدغري، والشيخ محمد الصالحي، والحاج أحمد بن الأمين، والحاج عليًّا صوة، والخيِّر حسينًا حمزة. ولكن هذه الجهود كانت غير واسعة النطاق بسبب ما يضيق به الجهدُ الفردي، فهي وإن خفَّفت الضنَكَ وقللت المنكوبين، لكنها لم تستأصلِ الداءَ، ولم تتوصل إلى تحسين حال الأغلب من الطلبة، بحيث يظهر أثرُها باديًا في الحالة العامة فيرتفعُ مستوى التحصيل الزيتوني.
من أجل ذلك توجهنا اليومَ بعرض هذه الحاجة على مجمعكم الزكي رجاءَ أن تضيء آراؤكم المشرقةُ الغايةَ المأمولة من التوصل إلى إيجادِ عمل أتقنَ وإيضاح مظهر أسمى يكون عنده اجتثاثُ هذا الداء الاجتماعي من عروقه بإقامة مأوى عظيم مستكمل وسائل الصحة والراحة، حتى يكون باعتبارٍ مأوى لطلبة الجامع، وباعتبارٍ آخر معلمًا تذكاريًّا خالدًا رامزًا إلى ما للأمة التونسية من التعلق بدينها والاهتمام بمستقبل شبابها المهاجر في طلب علومه.
ونحن، إذ ندعوكم إلى هذا العمل الجليل، نجدد يدًا أسداها إلى هذا المعهد فضيلةُ العلامة الجليل شيخ الإسلام محمد العزيز جعيط، فقد يذكر الكثيرُ منكم أنه كان فكر في الدعوة إلى هذا المشروع. وإنه ليسرُّنا اليوم أن يكون هو رأسَ هذا الهيكل الذي ازدان بحضوره هذا الجمع، وفتح لنا بابًا واسعًا من الرجاء في نجاح هذا العمل المعهود به إلى جمعكم الكريم الذي هو عملٌ يتوزع إلى نواح، ويسير على سبل عديدة لتحقيق الغاية: من النظر في برنامج العمل، وإعداد الأرض، ورسم مثال البناء، ووسائل تكوين المال اللازم لذلك. وجميعُ هذه الأعمال موكولةٌ لنظر مجمعكم لتتوزعها لجانٌ تتولون تعيينَها من بينكم.