ثم في سنة نيف وتسعين جمع الوزير المصلح خير الدين لجنة تحت رئاسته، فصدر عنها القانون الأول الذي نص على دقائق التعليم هنالك، ووضع له أسسه المحكمة وأساليبه الملائمة لذلك الزمان.
ومنذ هذا القانون نجد الحكومة تجمع بين الفينة والفينة اللجان لتنقيح ما يظهر فوات زمانه حسب التهيؤ وتطور الشعور العام. فقد تشكلت عام ١٣١٥ [الموافق ١٨٩٨] لجنة لإصلاح التعليم (١)، وهي التي نتج عنها إدخال بعض العلوم العصرية في مواد امتحان "التطويع" بالجامع الأعظم دون أن يخصص لتلك العلوم دروس في الجامع الأعظم، وإنما اعتمد في ذلك على الدروس الخارجية، وكانت المدرسة الخلدونية قد نظمت دروسًا ليلية لتلك العلوم.
ثم تشكلت اللجنة الثالثة التي صدر عنها قانون ١٩٣٠، فأدخلت إصلاحات كثيرة على نظام التعليم وصيرت تدريس العلوم العصرية من مشمولات دروس الجامع الأعظم.
وفيما بين هذين الاجتماعين أصدرت الحكومة تراتيب مهمة ضبطت بها طرق التحصيل على خطة التدريس بطريق المناظرة والامتحانات المشتملة على الكتابي والشفاهي تدريسًا وأسئلة.
وما كادت تأتي سنة ١٣٤٤ [١٩٢٦] حتى كر الشعور بوجوب الإصلاح من جديد تبعًا لما ولده الزمان من التطورات الفكرية وغيرها. وبالفعل عينت اللجنة من جديد لتضع نظامًا للتعليم ملائمًا للحاجات والكفاءة المتوفرة. وقد أتمت أعمالها إذ ذاك في دائرة مناسبة لما دعت إليه الأحوال في ذلك الوقت، غير أن مقرراتها لم يتسن إبرازها، إلى أن دعي صوت أهل العلم وظهر قانون خطة العدالة.
(١) عين هذه اللجنةَ العالم الزيتوني النحرير والوزير الأكبر حينذاك الشيخ محمد العزيز بوعتور جد ابن عاشور لأمه، عليهما رحمة الله.