للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومذهبُ الجمهور أنه لا يُشترط في المتَّقي شرعًا اجتنابُ الصغائر، وحجتُهم واضحة؛ فإن الصغائر قلما ينجو منها أحد. ومنهم مَنْ لا يسبق [عنده] (١) إلى اسم المتقي بعد الأنبياء غيرُهم كالصحابة والتابعين ومَنْ بعدهم من السلف الصالح. والتمسك بالحقيقة اللغوية غيرُ معتبَرٍ في الحقائق العرفية لكثرة التغاير بين الاصطلاحين، بل ما كان تعدد الحقائق إلا باعتبار التغاير.

على أن الشهاب (٢) في حواشي القاضي أنكر زيادةَ لفظ الفرط، وقال: "المذكور في كتب اللغة تفسيرها بالحفظ والصيانة، وما ذكره من الزيادة زيادة". و [أجاب] عن الحديث بأنه مسوقٌ لبيان الكامل في الحقيقة، بسند لزوم خروج من بيناه، وفيه نظر، وبأن حمله على ظاهره يوجب خروجَ غير المتورِّع عن التقوى؛ لأن ترك ما لا بأس به حذرًا من الوقوع فيما به بأسٌ هو الورع، ولا قائلَ بذلك من الفريقين، فوجب تأويله على كلا القولين. (٣)

على أن الحديث يُحمل محملَ حديث: "من وقع في الشبهات وقع في المحرمات"، (٤) المرادُ به التنبيهُ على شدة الحذر وعدم التساهل. فمعنى "حتى يدع ما


= وشرعًا من يقي نفسه تعاطي ما يستوجب العقوبةَ من فعل أو ترك والتقوى مراتب الأولى التوقي عن العذاب المخلد بالتبري من الشرك، قال الله تبارك وتعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الفتح: ٢٦]، الثانية تجنب كل ما يؤثم من فعل أو ترك حتى الصغائر وهو المتعارف بالتقوى في الشرع". المناوي: فيض القدير، ج ٦، ص ٤٤٣.
(١) زيادة اقتضاها السياق.
(٢) هو أحمد بن محمد بن عمر، شهاب الدين الخفاجي المصري، قاضي القضاة وصاحب التصانيف في الأدب واللغة. نسبته إلى قبيلة خفاجة، ولد ونشأ بمصر، ورحل إلى بلاد الروم، واتصل بالسلطان مراد العثماني فولاه قضاء سلانيك ثم قضاء مصر. من أشهر كتبه حاشية على تفسير البيضاوي في ثماني مجلدات، وريحانة الألبا، وشفاء العليل فيما في كلام العرب من الدخيل. توُفِّيَ بمصر ١٠٦٩ هـ.
(٣) انظر كلام الشهاب الخفاجي في: حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي المسماة عناية القاضي وكفاية الراضي (بيروت: دار صادر، بدون تاريخ)، ج ١، ١٩٧ - ١٩٨.
(٤) المقصود بذلك ما رواه النعمان بن بشير قال: "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الحلالُ بَيِّن، والحرامُ بَيِّن، وبينهما مشبهات لا يعلمها كثيرٌ من الناس، فمَنْ اتقى المشبهاتِ استبرأ لدينه وعرضه، ومَنْ وقع =

<<  <  ج: ص:  >  >>