للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذا شوك؟ فقال: نعم، قال: فما عملت فيه؟ قال: شمرتُ وحذرت، قال: فذلك التقوى". (١) ولقد أجاد - رضي الله عنه - في تمثيل معقولها بالمحسوس المفيد أنها التحذرُ والصَّوْنُ من الوقوع في المخالفات. وقد أحسن الغايةَ ابنُ المعتز (٢) في عقد ذلك نظمًا حيث قال:

خَلِّ الذُّنُوبَ صَغِيرَهَا ... وَكَبِيرَهَا ذَاكَ التُّقَى

وَاصْنَعْ كَمَاشٍ فَوْقَ أَرْ ... ضِ الشَّوْكِ وَيَحْذَرُ مَا يَرَى

لَا تَحْقِرَنَّ صَغِيرَةً ... إِنَّ الْجِبَالَ مِنَ الْحَصَى (٣)

ثم إن نظم ابن المعتز مبنيٌّ على أن تركَ الصغائر من مفهوم التقوى في عرف الشرع، وإليه ذهب طائفةٌ من المحدثين. وأهلُ السنة متمسِّكون بأن فرطَ الصيانة الذي هو أصلُ التقوى يقتضي التخليَ عن الصغائر، وبحديث: "لا يبلغ العبدُ أن يكونَ من المتقين حتى يدعَ ما لا بأس به حذرًا مِمَّا به بأس"، أخرجه الترمذي وابن ماجه. (٤)


(١) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج ١، ص ٢٥٠. وقد ذكر محقق تفسير القرطبي أن ابن أبي الدنيا (في كتاب التقوى) والبيهقي (في الزهد الكبير) أخرجا نحوه من كلام أبي هريرة لرجل سأله عن التقوى.
(٢) هو أبو العباس عبد الله بن جعفر بن محمد بن هارون بن العباس بن المعتز بن المتوكل بن الرشيد بن المهدي بن المنصور، ولد عام ٢٤٧/ ٨٦١ في بغداد. كان أديبًا شاعرًا، صاحب شعر بديع ونثر بليغ. أخذ علم الأدب والعربية عن المبرد وثعلب وعن مؤدبه أحمد بن سعيد الدمشقي. آلت إليه الخلافة العباسية لمدة يوم وليلة ولقب بالمرتضى بالله، وما لبث أن تغلَّب أنصار المقتدر على أنصاره فخلعوه وقتلوه، وذلك في عام ٢٩٦/ ٩٠٩. من مؤلفاته: طبقات الشعراء، والبديع، وفصول التماثيل.
(٣) ديوان شعر ابن المعتز، صنعة أبي بكر محمد بن يحيى الصولي، تحقيق يونس أحمد السامرائي (بيروت: عالم الكتب، ١٤١٧/ ١٩٩٧)، ج ٣، ص ١٠٨؛ وكذلك ديوان أشعار الأمير أبي العباس عبد الله بن محمد المعتز بالله الخليفة العبايي، تحقيق محمد بديع شريف (القاهرة: دار المعارف، ١٩٧٧ - ١٩٧٨)، ج ٢، ص ٣٧٦. وقد جاء صدرُ البيت الثاني في كلا النشرتين مختلفًا عما أورده المصنف هنا، ففيه: "كُنْ مثلَ ماشٍ فَوْقَ"، و"يحذر" بدون الواو. والأبيات من مجزوء الكامل.
(٤) سنن الترمذي، "أبواب صفة القيامة"، الحديث ٢٤٥١، ص ٥٨٢؛ سنن ابن ماجه، "كتاب"، الحديث ٤٢١٥، ص ٦١٤، واللفظ للترمذي. قال أبو عيسى: "هذا حديثٌ حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه". ذكر المناوي عند شرح الحديث نقلًا عن الطيبي: "المتقي لغة اسم فاعل من وقاه فاتقى، والوقاية فرط الصيانة. ومنه فرس واق أي يقي حافره أن يصيبه أدنى شيء من بوله. =

<<  <  ج: ص:  >  >>