للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومواقعُ استعمال الصيغة في البيتين تقتضي إرادةَ التكلُّف والاتخاذ، كما هو أحدُ استعمالات افتعل، وهو المفهوم من كلام أهل اللغة. قال الراغب: "التقوى هي جعل النفس في وقاية مِمَّا يُخَاف". (١) وظاهرُ قول صاحب الكشاف - في تفسير المتقي أنه اسم فاعل من قولهم: وقاه فاتقى - أن الصيغة للمطاوعة، وتبعه القاضي عليه. (٢) وقرره [كُتَّابُ] (٣) حواشيه، فتكلفوا للمطاوعة وجهًا - مع بعده في نفسه - يوجب التأويلَ في تعلق التكليف بالتقوى بصرفه إلى التكليف بتحصيل أسباب القبول. وإلا فالمطاوعة انفعالٌ، ولا تكليفَ إلا بفعل، كما قُرِّر في الأصول.

وعلى المختار فيها جاء تفسيرُها من لسان أهل الشريعة فقالوا: هي حفظ النفس عن كل ما يؤثم. (٤) وسأل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أُبيًّا عنها فقال: "هل أخذتَ طريقًا


= بين ما أثبته المصنف من أبيات هذه القصيدة وأبيات أخرى لا تبدو متوافقة معها في الغرض والسياق، وهو ما استبان لنا من المقارنة بما جاء في نشرة محمد أبي الفضل إبراهيم. ولعل خبيرًا بشعر النابغة ينهض لمعالجة هذا الأمر. انظر بخصوص ما نبهنا عليه: ديوان النابغة الذبياني، جمع وتحقيق وشرح الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور (القاهرة: دار السلام/ تونس: دار سحنون للنشر والتوزيع، ١٤٣٠/ ٢٠٠٩، تصوير عن طبعة الشركة التونسية للتوزيع بتونس والشركة الوطنية للنشر والتوزيع الصادرة سنة ١٩٧٦)، ص ١٤ - ١٥ و ٧٦ - ١٠٢.
(١) الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق صفوان عدنان داوودي (دمشق/ بيروت: دار القلم والدار الشامية، ١٤١٨/ ١٩٩٧)، ص ٨٨١؛ وقد جاء تعريفه هذا للتقوى كذلك في تفسيره لسورة البقرة، انظر في ذلك: محمد إقبال فرحات: الراغب الإصفهاني ومنهجه في التفسير مع تحقيق تفسيره سورة البقرة (أطروحة لنيل درجة الدكتوراه مقدمة إلى المعهد الأعلى لأصول الدين، جامعة الزيتونة بتونس، بدون تاريخ)، ص ١٣٠. وقد عرفها كذلك بقوله: "وحقيقةُ التقوى جعلُ النفس في وقاية من كل ما يبعد عن الله تعالى" (المصدر نفسه، ص ١٧١)، وبأنها "جعل النفس في وقاية من سَخَط الله تعالى، وذلك بقمع الهوى"، الذريعة إلى مكارم الشريعة، ص ١٦٠.
(٢) الزمخشري: الكشاف، ج ١، ص ٤٥؛ البيضاوي: أنوار التنزيل، ج ١، ص ٩٩.
(٣) زيادة اقتضاها السياق.
(٤) قال المناوي في معنى التقوى عند شرح حديث: "الحلال بين والحرام بين. . .": هي "لغةً جعل النفس في وقاية مما يخاف، وشرعًا حفظ النفس عن الآثام وما يجر إليها، وهي عند الصوفية التبري مما سوى الله. وعدل إلى التقى عن ترك المرادف له، ليفيد أن تركها إنما يعتد به في استبراء في الدين والعرض، إن خلا عن نحو رياء". فيض القدير، الحديث ٣٨٥٦، ج ٣، ص ٤٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>