للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر قصة خلف الأحمر وأبي عمرو بن العلاء مع بشار في شأن هذا البيت. (١)

وإيقاعُ "إن" في أول هذه الآية أدخلُ في الإعجاز، بحيث نجد وقوعَها متعيِّنًا في بلوغ الكلام حدَّ الإعجاز؛ لأنها مفيدةٌ لتعليل ما قبلها، إذ هي بمنزلة فاء التفريع كما تقدم. وهي أيضًا مفيدةٌ مفادَ أداة الاستفتاح لِمَا فيها من معنى الاهتمام الذي يناسب صدر الكلام، ولذلك قال الشيخ عبد القاهر: "فأنت ترى الكلامَ بِها مستأنفًا غير مستانف، ومقطوعًا موصولًا معًا". (٢) ولو وقعت الفاءُ في أول الآية لمَا صلُحت إلا أن تكونَ تفريعًا عما قبلها، فتفيدَ التعليلَ ولا تفيد الاهتمام، ولا تصلح الجملةُ حينئذ لأن تكون مقدمةً لِمَا بعدها. هذا وجهُ إفادة شرف الكعبة على وجه الإجمال، وسنجيئك بتفصيله من بعد بيان معنى الآية.


(١) والقصة التي إليها أشار المصنف هي كما ذكر الجرجاني: "رُوي عن الأصمعي أنه قال: كنتُ أشدو من أبي عمرو بن العلاء وخلف الأحمر، وكانا يأتيان بشارًا فيسلمان عليه بغاية الإعظام، ثم يقولان: يا أبا معاذ، ما أحدثتَ؟ فيخبرهما وينشدهما، ويسألانه ويكتبان عنه متواضعيْن له، حتى يأتيَ وقتُ الزوال، ثم ينصرفان. وأتياه يومًا فقالا: ما هذه القصيدة التي أحدثتها في سلم بن قتيبة؟ قال: هي التي بلغتكم. قالا: بلغنا أنك أكثرتَ فيها من الغريب. قال: نعم، قالا: أنْشِدْناها يا أبا معاذ، فأنشدهما [من الخفيف]:
بَكِّرَا صاحِبَيَّ قَبْلَ الْهَجِيرِ ... إِنَّ ذَاكَ النَّجَاحَ فِي التَّبْكِيرِ
حتى فرغ منها، فقال له خلف: لو قلتَ يا أبا معاذ مكان "إن ذاك النجاح في التبكير"، "بكرا فالنجاح في التبكير"، كان أحسن. فقال بشار: إنما بنَيْتُها أعرابيةً وحشية، فقلت: "إن ذاك النجاح في التبكير"، كما يقول الأعراب البَدَويّون، ولو قلت: "بكرا فالنجاح"، كان هذا من كلام المُولَّدين، ولا يشبه ذاك الكلام، ولا يدخل في معنى القصيدة". دلائل الإعجاز، ص ٢٧٢ - ٢٧٣. وقد أورد القصةَ الأصفهاني من قبل بلفظ مختلف قليلًا: كتاب الأغاني، ج ١/ ٣، ص ٦٧٨. والبيت المذكور هو طالعُ قصيدة طويلة مدح بها بشارٌ سلم بن قتيبة الباهلي، والراجح أنه هنأه بها حين ولايته أميرًا على البصرة في خلافة المنصور. انظر ديوان بشار بن برد، جمع وتحقيق وشرح الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور (القاهرة/ تونس: دار السلام ودار سحنون، ط ١، ١٤٢٩/ ٢٠٠٨)، ج ٢/ ٣، ص ١٨٤ - ٢٠٠.
(٢) الجرجاني: دلائل الإعجاز، ص ٢٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>