للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحن هيأنا لك فيما قدّمناه مفتحًا تتعرف منه كيف تولّدت الحكمةُ المشرقية للشيخ ابن سينا. فالحكمة المشرقية طريقةٌ من الحكمة تغايرها الحكمةُ المغربية، فليست هي حكمة الإشراق؛ لأن تلك تقابلها الحكمةُ المشائية. والحكمة المشرقية لا تعتزي إلى اليونان؛ لأن الشيخ قال في مقدمة الكتاب - الذي هو موضوع بحثنا والذي سنتحدث عنه أخيرًا - ما نصُّه: "ثم قابلنا جميع ذلك بالنّمَط الذي يسميه اليونان المنطق، ولا يبعد أن يكون له عند المشرقيين اسم غيره"، (١) ولأن الشيخ قد ألف كتابًا سَمّاه "الإنصاف بين المشرقيين والمغربيين". (٢)

فعلمنا من جميع ذلك أنه يعني بالمغربيين اليونان، وأنه يعني بالمشرقيين غيرَهم، وعلمنا أيضًا أن المشرقيين قومٌ يسكنون شرقَ بلاد اليونان، فعلمنا إذن أنه لا يريد بالحكمة المشرقية الحكمة المصريّة القديمة التي هي من أمهات الحكمة اليونانية، إذ تعلّم فيها سائرُ الحكماء من طاليس إلى أفلاطون؛ لأن الحكمة المصرية القديمة تلاشت.

ولا يعني الحكمة المصرية الحديثة، وهي الإسكندرانية المنسوبة إلى البطالسة؛ لأنها شعبةٌ من الحكمة اليونانية. ولا يريد حكمةَ أهل سيرينييك - أي بَرْقَة القديمة (٣) -


= و"البر والإثم" في الأخلاق، "ولسان العرب" في اللغة. انظر في ذلك: البيهقي، ظهير الدين: تاريخ حكماء الإسلام، تحقيق محمد كرد علي (دمشق: مكتبة الترقي، ١٣٦٥/ ١٩٤٦)، ص ٥٧ و ٦٥ - ٦٧؛ القفطي، جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف: إخبار العلماء بأخبار الحكماء، نشرة بعناية إبراهيم شمس الدين (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤٢٦/ ٢٠٠٥)، ص ٣٠٧ - ٣١١.
(١) صفحة ٣ من الكتاب المعنون منطق المشرقيين. - المصنف. ابن سينا: منطق المشرقيين، ص ٢٠.
(٢) ذكر ابن أبي أصيبعة كتاب الإنصاف وقال إنه "عشرون مجلدة شرح فيه جميع كتب أرسططاليس وأنصف فيه بين المشرقيين والمغربيين". ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء في طبقات الأطباء (بيروت: دار الثقافة، ١٣٩٨ - ١٣٩٩/ ١٩٧٨ - ١٩٧٩)، ج ٣، ص ٢٧.
(٣) سميت سيرينييك نسبة إلى قاعدة البلاد المسماة سيرين [Cyrene] التي سميت بعد حين قرينة، وهي مدينة أسست في القرن السابع قبل المسيح، أسسها جماعة من أهل جزائر "طيرا" من جزائر =

<<  <  ج: ص:  >  >>