للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيومًا، حتى ارتَمَوْا في مهاوٍ وزلوا في مزالق. كما [يدعو إلى أن] (١) نفارق بين حالهم في أوجهم وبين الأحوال التي صار عليها من تدهور التأخر آنًا فآنًا من أوائل القرن العاشر الهجري.

إن الأمم الذين دخلوا في الإسلام تقبلوه بإخلاص، وخالطت بشاشتُه قلوبَهم، وتعلقوا به أيما اعتلاق، فأدركوا ما في أصوله من منافع، وانخلعوا عما كانوا عليه من أفن الاعتقاد ومساوي الأخلاق وسيئ الأعمال، وأقبلوا على مزاولة تعاليم الإسلام بشراشرهم، فلم يلبثوا أن أحسوا بتغير أحوالهم من نقص إلى كمال. وكان ذلك سببًا في اتحاد اتجاههم في نظم المجتمع إلى صوب واحد، وإقامتهم منها نظمًا متناسقة. فبنا أن نحلل تلك الأصول ونفصلها إلى فصول، لنكون على بصيرة بكنهها، ونوحد الجهود نحو حياطتها لنقوم أود مجتمعنا ونقيم صرحه.

مرادُ الله من شريعة الإسلام حفظُ نظام العالم، وضبطُ تصرف الناس فيه بما يصلح أحوالَهم. فالصلاحُ هو مراد الإسلام، كما أومأ إليه قولُه تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (٢٠٥)} [البقرة: ٢٠٥]، وقوله ذاكرًا به شريعةَ بعض رسله: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: ٨٨]، وقوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧)} [النحل: ٩٧].

ولمَّا كان المجتمعُ الإنساني كلًّا مركَّبًا من آحاد الناس ومملوءًا بتصرفاتهم ومساعيهم، كان صلاحُه غيرَ حاصلٍ إلا بإصلاح أجزائه، وذلك بإصلاح النفوس التي تنبعث عنها الأعمالُ والتصرفات. ويتعين أن يكون نظامُ إصلاحها متماثلًا في أصوله وغاياته، ليمكن التعاشرُ والتآلفُ بين الأفراد، كي لا يهدم هذا ما بناه الآخر. فإنَّ تشعُّبَ البشر ما حصل إلا من اختلاف العقائد والأهواء، حتى حسب كلُّ فريق منهم أن صلاحَه لا يحصل إلا بإلحاق الضر بالآخر، مع ما يؤكد ذلك فيهم من


(١) زيادة اقتضاها السياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>