تغرير المضلَّلين من زعمائهم لاكتساب طاعتهم ومحبتهم، كلُّ ذلك قد فرَّق جماعاتهم وشقَّهم شُعَبًا، ودبَّ بينهم اللجاجُ والتهارجُ فحال دون الوحدة والتمازج.
كانت معالجةُ الإسلام لإصلاح المجتمع البشري بإرجاعه إلى التقويم الذي فطر الله عليه الناس الداخل في عموم أحسن التقويم المشار إليه بقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤)} [التين: ٤]. فدعاه بالإسلام إلى ما تقتضيه فطرةُ الإنسان، وهي الخاصية التي تميزه عن بقية الحيوان، وتضعه في الموضع المعيَّن له من خالقه فيما فطره عليه من الكمال النفسي، وباعد بينه وبين الانزلاق عن مقامه إلى حضيض العجماوات.
فلذلك وصف الله الإسلامَ بأنه الفطرة، إذ قال مُخاطبًا رسوله بقوله: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٠)} [الروم: ٣٠]. فقوله:"حنيفًا" حالٌ من الدين، و"فطرة الله" بدلٌ من "حنيفًا"، فصار مفادُ هذا التركيب أن الدين الحنيف الفطرة الإنسانية. فكان دين الإسلام حقيقًا بأن يستظل البشرُ كلهم بسمائه، وأن ينْضَمُّوا جميعًا تحت (١) لوائه، إذ هو دينُ الفطرة الإنسانية يليق بجميع البشر لولا تعصباتٌ دينية وأحقاد وراثية. فلنقتنع بجعل الإسلام هاديًا لنا ولبقية الأمم المتقلدة لدينه، حتى يرى جميع البشر آياته في الآفاق وفي أنفسهم، مبينين لهم أنه الحق كما وعد الله سبحانه.
ولَمَّا كان في الفطرة الإنسانية ما يدفع الإنسانَ إلى تطلب ضرورياته وحاجاته، وما يُرغِّبه في تطلب التحسينيات مما لا يخلو الطبعُ الإنساني عن تطلبه، كانت تعاليمُ الإسلام ترمى إلى غاية جلب الضروريات والحاجيات والمقبول من التحسينيات للأمة على وجهٍ لا يخرج عن نطاق الفطرة. وذلك في جميع ما جاء به