وحرف "على" فيه ظاهرُه أن يكون لتعدية فعل "كتب"، ليدل على معنى الوجوب. فتعَيَّن تقديرُ مضاف، أي كتب الإحسانَ على عامل كل شيء. ويجوز أن يكون "على" مستعمَلًا في معنى "في" مجازًا، ليدل على تمكن الظرفية المجازية، كما يقال: كان الحدثُ الفلاني على عهد فلان. فمعنى "كتب الإحسان على كل شيء"، كتب الإحسانَ في كل شيء. والمراد بالشيء العمل والفعل؛ لأن الإحسان فعل الحسن. والاقتصار في هذا الحديث على ذكر القتل والذبح؛ لأنهما أشدُّ الأذى للحيوان. فإذا كانا مشروطين بأن يتلبسا بالإحسان دل ذلك على أن ما دونهما من أنواع الأذى أولَى بتسليط الإحسان عليه، فهذا من الإيجاز في الكلام. فمعنى الحديث: كتب الإحسانَ على فاعل كلِّ فعلٍ أن يُحسن للمفعول به ذلك الفعل.
ومن هذا الحديث قال علماء الشريعة إن تعذيبَ الحيوان لغير ما أُذِن للناس من الانتفاع به لا يجوز، ومنه تعذيبُه بأكثر مما تتحمله طاقتُه، كالحمل على الدابة أكثر من طاقتها. فكلما دار عملٌ بين أن يقع بحالة إحسان فيه أو بحالة الإساءة ولم يكن حقٌّ به مقتضٍ شرعي لترك درجة من درجات الإحسان فيه، وجب أن يقع على حالة الإحسان بقدر الإمكان. ولذلك كان الإحسان هو الأصل في الأعمال شرعًا، وكانت الإساءةُ خلافَ الأصل. فللعمل بقاعدة استصحاب الأصل، لا يُصار إلى شيء من الإساءة إلا بدليلٍ شرعيٍّ يدل على المعاملة بذلك المقدار من الإساءة في عمل ما.
فهذا الحديثُ هو الأصلُ الذي تندرج تحته أحكامُ الرفق بالحيوان، وقد جاءت في السنة أخبارٌ أخرى في جزئياتٍ خاصة من الرفق بالحيوان والإحسان إليه. ففي صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها، ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض"، (١) قوله "في هرة": في بمعنى
(١) بقريب من هذا اللفظ رواه مسلم عن أبي هريرة قال، قال رسول الله: "دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلا هي أطعمتها، ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض، حتى ماتت هَزْلا". صحيح مسلم، "كتاب التوبة"، الحديث ٢٦١٩، ص ١٠٥٧. وقد رواه البخاري وغيره بألفاظ متقاربة في أبواب مختلفة.