للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي موطإ الإمام مالك أن أبا هريرة قال لحُميد بن مالك: (١) "أحْسِنْ إلى غنمك، وامْسَحْ الرُّعامَ عنها، وأطِبْ مُراحَها". (٢) وهذا يقتضي أن لها حقًّا في مراعاة منافعها، ويجري ذلك فيما ذكره وما كان مثله. وقال القرافي في الذخيرة: "المسابقة بين الخيل والإبل جائزة، وهي مستثناةٌ من أصل ممنوع، وهو تعذيب الحيوان لغير أكله". (٣)

وهذا الإحسان للحيوان لأجل إحساسه، حسبما اقتضاه قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "في كل ذي كبد رطبة أجر"، مما اختصت به شريعة الإسلام. فليس في الأديان السابقة دعوةٌ إلى الرفق بالحيوان والإحسان إليه لذاته، وما جاء في التوراة من إراحة ثور الإسرائيلي وحماره في السبت فذلك تبعٌ لراحة صاحب الدابة إبقاءً على سلامتها، لا لذات الدابة. فلذلك لم يؤمروا إلا بإراحة دابتى العمل في يوم راحة صاحبهما، وكذلك قولها: "وست سنين تزرع أرضك وتجمع غلتها، وأما في السابعة فتريحها وتتركها ليأكل فقراء شعبك، وفضلتهم تأكلها وحوش البرية، كذلك تفعل بكرمك وزيتونك"، (٤) فقوله: "وفضلتهم تأكلها وحوش البرية"، قطع لطمع صاحب الزرع أو الثمرة في جمع ما فضل عن حاجة الفقراء.


(١) هو حميد بن مالك بن خثيم، سمع أبا هريرة، وروى عنه بكير بن الأشج ومحمد بن عمرو بن حلحلة.
(٢) الرُّعام - بضم الراء والعين المهملة - مخاطٌ رقيق يسيل من أنوف الغنم، والمراح المكان الذي تروح إليه. - المصنف. الموطأ برواياته الثمانية، "كتاب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -"، الحديث ١٨٦٦، ج ٤، ص ٣٦٢ - ٣٦٣. والحديث في الموطأ برواية سويد بن سعيد، فيه "الرُّغام" بدل "الرُّعام"، واختلف أهل اللغة في تصحيح هذا لفظ الرغام، فأبو العباس ثعلب وأبو منصور الأزهري عداه تصحيفًا، واللحياني خص به الغنم والظباء.
(٣) أورد المصنف كلام القرافي بتصرف، ولفظه: "المسابقة مستثناة من ثلاث قواعد: القمار، وتعذيب الحيوان لغير مأكلة، وحصول العِوض والمعوَّض لشخص واحد. . . واستُثْنِيتْ من هذه القواعد لمصلحة الجهاد". القرافي، شهاب الدين أحمد بن إدريس: الذخيرة، تحقيق محمد حجي وآخرين (بيروت: دار الغرب الإسلامي، ط ١، ١٩٩٤)، ج ٣، ص ٤٦٦.
(٤) انظر الإصحاح ٢٣ من سفر الخروج. - المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>