للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي البخاري عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مسلمٍ يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ - وفي رواية: أو دابة - إلا كان له به صدقة". (١) قال العيني: "وفي معنى ذلك التخفيفُ عن الدواب في أحمالها وتكليفها ما تطيق حمله، فذلك من رحمتها والإحسان إليها. و [من] ذلك تركُ التعدي في ضربها وأذاها وتسخيرها في الليل، يعني إلا إذا أراحها بالنهار أو دعت الحاجةُ إلى ركوبها ليلًا وهو السرى". (٢)


(١) صحيح البخاري، "كتاب المزارعة"، الحديث ٢٣٢٠، ص ٣٧٢؛ "كتاب الأدب"، الحديث ٦٠١٢، ص ١٠٥٠؛ صحيح مسلم، "كتاب المساقاة"، الحديث ١٥٥٢، ص ٦٠٤؛ سنن الترمذي، "كتابُ الأحكامِ عن رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -"، الحديث ١٣٨٣، ص ٣٥٦.
(٢) عمدة القاري شرح صحيح البخاري، للعيني، كتاب الأدب، باب: رحمة الناس والهائم، ج ٢٢، ص ١٠٧، شرح الحديث (٦٠١٢). وهو في الواقع لابن بطال، فقد قال تعليقًا على أحاديث "باب رحمة الناس والبهائم" من "كتاب الأدب" في صحيح البخاري بما فيها حديث الرجل الذي سقى الكلبَ الذي سبق ذكره قبل قليل: "في هذه الأحاديث الحض على استعمال الرحمة للخلق كلهم، كافرهم ومؤمنهم ولجميع البهائم والرفق بها. وأن ذلك مما يغفر الله به الذنوب ويكفر به الخطايا. فينبغي لكل مؤمن عاقل أن يرغب في الأخذ بحظه من الرحمة، ويستعملها في أبناء جنسه وفى كل حيوان، فلم يخلقه الله عبثًا، وكل أحد مسؤول عما اسْتُرْعِيَه وملكه من إنسان أو بهيمة لا تقدر على النطق وتبيين ما بها من الضر. وكذلك ينبغي أن يرحم كلَّ بهيمة وإن كانت في غير ملكه، ألا ترى أن الذي سقى الكلبَ الذي وجده بالفلاة لم يكن له ملكًا فغفر الله له بتكلفة النزول في البئر وإخراجه الماء في خفه وسقيه إياه، وكذلك كلُّ ما في معنى السقي من الإطعام، ألا ترى قوله - عليه السلام -: "ما من مسلم غرس غرسًا فأكل منه إنسان أو دابة إلا كان له صدقة". ومما يدخل في معنى سقي البهائم وإطعامها التخفيفُ عنها في أحمالها وتكليفها ما تطيق حمله، فذلك من رحمتها والإحسان إليها، ومن ذلك ترك التعدي في ضربها وأذاها وتسخيرها في الليل وفى غير أوقات السخرة"، ثم قال: "والدواب وجميع البهائم داخلون في هذا المعنى". ابن بطال القرطبي، أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكري: شرح ابن بطال على صحيح البخاري، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤٢٤/ ٢٠٠٣)، "كتاب الأدب"، ج ٩، ص ٢٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>